مقدمة إنشائية واستهلال بديع وتقديم لا يخلو من بلاغة- وإن كان مليئا بالأخطاء النحوية- مع توصيف لحاضر وماضٍ استمر لأكثر من 30 عاما، وإعداد جيد للاستماع للأحكام، وآذان صاغية وقلوب مرهفة وعيون شاخصة، وفجأة..... انقلبت الحال وساد الهرج والمرج.
ما سبق كان وصفا لجلسة النطق بالحكم التي ترأسها المستشار أحمد رفعت، وكانت كلمته في البداية توحي بالكثير من الشدة والأحكام القاسية على من أوصلوا البلد إلى هذه الحال من الضعف والهوان؛ فبعد أن كان في مقدمة الصفوف صار في آخرها –هذا ما ذكره بنفسه- ثم جاءت الأحكام مخالفة لكل ذلك، فانتشر الغضب في كل مكان، وامتلأت ميادين مصر كلها بجموع الشعب الرافضة للأحكام، فالكل غاضب وساخط، وقبل الغضب هناك الحيرة والدهشة، وعلى الفور انطلقت الفضائيات بمحلليها وخبرائها وفقهائها والمناقشات لا تنتهي.ورغم كل ما شاب الحكم من عوار ونقصان استرعى انتباه الجميع، وحلله القانونيون ورفضه المصريون... رغم كل ذلك يجب أن نبحث وسط الظلام عن نقطة ضوء بين ركام السلبيات عن أمور إيجابية فماذا نجد؟!* لأول مرة في العالم العربي والشرق الأوسط يتم الحكم على رئيس سابق بعد محاكمته أمام القضاء المدني، وبعد أن استغل المتهم ومحاموه كل الوقت الكافي وكامل حريتهم في تفنيد الأدلة (المتهالكة أصلا)، والرد على النيابة، ثم جاء الحكم ليؤكد أن مصر ستظل- في أوقات ضعفها ورغم محنتها- رائدة وشامخة عالية تنحني لها الرؤوس وتنخفض أمامها الهامات.* في الحقيقة لم تتم تبرئة أي متهم، فبالنسبة إلى جمال وعلاء لم يعلن القاضي صراحة براءتهما من التهمة لكنه ذكر أنها سقطت بالتقادم، أي أن القضية لم تناقش أصلا. وكان الأولى بالقاضي أن يعتبر تاريخ الواقعة هو تاريخ الثورة (25 يناير)، فكما ذكر لم يكن ممكنا ولا متخيلا مقاضاة مبارك ونجليه قبل ذلك. (يعتبر تاريخ الواقعة تاريخ اكتشافها عملا بروح القانون وليس نصه).* بالنسبة إلى مساعدي وزير الداخلية ذكر القاضي أن الأدلة طمست وشوهت وتم التلاعب بها وإفسادها، وبالتالي لم يجد بين يديه ما يدينهم به؛ رغم تأكيده– كما ذكر في المقدمة- أن الثورة كانت تنادي سلمية سلمية، ثم فوجئت بالرصاص الحي والخرطوش.* أعطت المحكمة النيابة– كما للدفاع- أسبابا لنقض الحكم، ومن ثم تلافي ما سبق من قصور.* كانت الأحكام سببا في عودة اصطفاف القوى الثورية مرة أخرى في بنيان واحد.أعتقد أن هذه النقاط يمكن اعتبارها نقاطا إيجابية والنظر ببعض الرضا عن هذه الأحكام.***يعتمد الفريق أحمد شفيق في المرحلة الثانية أسلوب "جوبلز": "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس". فيعيب مثلا على الإخوان تراجعهم ودخولهم سباق الرئاسة، وتناسى أنه قال بنفسه في حديثه مع حافظ الميرازي "أنا لا أصلح للرئاسة فسني لا يسمح لي"، فما الذي تغير؟ هل نقص عمره أم ذهب عقله؟وفي حديثه مع نيويورك تايمز قال شفيق "إن محاولة الوصول للرئاسة لا تعتمد على برنامج ما، ولكنها تعتمد بشكل أساسي على المخاوف من استيلاء الإسلاميين على الحكم"، وأضاف "أنه يعتبر مبارك قدوة ومثلا أعلى له"، وقال لا فض فوه "يجب أن يكون للجيش دور سياسي وأنه الوصي على الشرعية الدستورية"، هذا ما قاله الفريق.والسؤال لناخبيه ومؤيديه: هل مثل هذا الرجل يصلح للرئاسة؟ هل تريدون أن يمتلئ "ليمان طره" برؤساء مصر السابقين؟ هل تقبلون أن يظل المجلس العسكري مهيمنا ووصيا على البلاد؟ هل تريدون حسني مبارك جديدا؟ هل تنشدون 30 عاما أخرى من الظلم والفساد من خلال نظام أرغمته الثورة على الخروج ذليلا من الباب فأراد العودة غشاشا ومخادعا من الشباك؟ هل تقبل ضمائركم ذلك؟ هل اختياره هو رد الجميل للثورة؟ هل هذا هو الوفاء لدم الشهداء؟ هل نسيتم موقعة الجمل؟ أم أنكم تريدون "البونبون"؟!
مقالات
شفيق.... بين المؤبد والرئاسة
08-06-2012