أصبحت حالة "الإخوان فوبيا" ظاهرة يجترها الكثيرون من جماعات السلطة بوعي ومن دون وعي في قراءتهم للأزمة السياسية بالدولة، فالإخوان المسلمون هم من يقفون وراء التظاهرات والتجمعات الأخيرة في ساحة الإرادة، وهم الذين استطاعوا اختراق القبائل التي كانت موالية للحكم في السابق، ثم أضحت في مقدمة صفوف المعارضين عبر انتقاء الأفراد الموالين للطرح الديني المتشدد وضمهم إلى مرشحي "الإخوان" أو دعمهم بصورة غير مباشرة، بل امتد سلطان "الإخوان" اليوم ليخترق القوى الليبرالية، أو ليضعوا بعض الليبراليين على الأقل في صفوف المعارضة للسلطة، كما ذهب الكاتب الزميل أحمد العيسى في مجلة المجلة في تقريره الإخباري لتلك المجلة.

Ad

لا جديد في اختراق قوى الإخوان المسلميـــــن لسلطــــــة القبيلـــــة؛ فالراحل د. خلدون النقيب أثار هذه المسألة منذ سنوات في مقالات بـ"القبس" وفي كتابه "المجتمع والدولة في الخليج" على ما أذكر.

الجديد الذي يحدث اليوم هو أن "الإخوان" وشباب القبائل في مجملهم أضحوا قميص عثمان لتعليق كل ما يحدث بالدولة من أزمات سياسية عليه، وانتشرت أدبيات "تويترية" عن مؤامرة "الإخوان" وتطلعهم إلى الاستفراد بالحكم، وهم (الإخوان) يمارسون بذلك الخبث السياسي في معارضتهم، فهم يدفعون الشباب من أبناء القبائل والليبراليين إلى المواجهة السياسية، بينما هم يقفون في الصفوف الخلفية، وكأن الأمر لا يعنيهم، بحيث لا يمكن وصف معارضتهم بغير كونها هادئة ومعتدلة في طرحها.

مثل هذا الرأي المناوئ للإخوان يجد له الكثير من المنصتين في الجانب "الحضري" من المجتمع الكويتي، وبالرغم من تحفظي عن تلك الكلمات المفرقة وليست المقررة للواقع الاجتماعي الكويتي، فإن "فوبيا الإخوان والقبليين" أضحت عقدة كبيرة عند "حضر" اليوم بسنتهم وشيعتهم، مثل هذا الرأي يسفه وجود المعارضة السياسية برمتها في الدولة، ولا يفرق بين معارضة مثل محمد هايف أو وليد الطبطبائي ونواب قدامى مثل د. أحمد الخطيب أو عبدالله النيباري، فالجميع عند أصحاب هذا الرأي صابون، وإذا كان النواب المتزمتون دينياً قدموا مشاريع قوانين تصادر حرية الرأي مثل إعدام المسيء لذات الرسول (بالرغم من أن تهمة الإساءة للرسول كانت حادثة فردية ناشزة لا يصح بناء التشريع عليها على نحو ما بصم أعضاء المجلس المبطل الأخير) وحاولوا إفراغ الدستور من روح المعاصرة حين تقدموا بطلب تعديل، أو إضافة إلى المادة ٧٩ من الدستور بحيث لا يجوز إقرار قانونٍ ما، ما لم يكن موافقاً للشريعة الإسلامية... فإن كل ذلك الطرح لا يمكن قبوله بصفة مطلقة لإدانة فكرة وجود المعارضة برمتها، كي لا يبقى على المسرح السياسي غير الرأي الواحد والسلطة الواحدة وهي سلطة الحكم.

إن التخويف بالفكر الطائفي عند بعض أفراد المعارضة، أو الترهيب من أن الإسلاميين والقبليين قادمون ما لم يتم قبرهم باعتبارهم تهديداً مباشراً لوجود الدولة، وليسوا مجرد معارضة مسالمة للسلطة الحاكمة فقط! لا يمكن قبوله، وتحت ستار الاحتماء بالسلطة كمدافع وحيد عن التقدميين يجب تناسي قضايا الفساد الإداري والمالي التي تتجرعها الدولة منذ سنين طويلة! وتحت غطاء حماية الحريات الشخصية (الفردية) علينا طي صفحة المطالبة بتنمية الممارسة الديمقراطية بالدولة بتشريع الأحزاب والتقدم نحو تحقيق حكومة برلمانية، وخلف عباءة الوحدة الوطنية ورفض الطائفية علينا أن ننسى قضايا الواسطة والمحسوبية والشللية، وتقريب البعض من الذين "حبتهم عيني ما ضامهم الدهر" دون أي اعتبار لقواعد العدالة وتكافؤ الفرص!

مثل ذلك الرأي لا يعني إلا أن التاريخ جامد لا يتحرك، أو فرض ثباته وموته قسراً، وهذا ليس صحيحاً؛ فالتاريخ يتقدم شئنا أم لا، وهو لا يتقدم بخط مستقيم دائماً، بل ينعرج وينحني أحياناً، لكنه في النهاية يتقدم إلى الأمام.