بتقديري أن الحكومة لديها جزع واضح من تركيبة الأغلبية في مجلس 2012، وهي تدرك أن الشارع فعلاً يمكن أن يتحرك، وهو تحرك مشروع، لكن ماذا ستفعل إذا ما جاءت رياح المحكمة بعكس مصلحتها، أو جاءت انتخابات جديدة بناء على ما تستقر إليه المحكمة بأغلبية «مزعجة» للحكومة؟

Ad

بعد صمت وغياب تامين لصوت إعلامي حكومي تكتيك إعلامي متناغم بين وزير الإعلام ووزير العدل ومجلس الوزراء فيما يتعلق بقرار اللجوء إلى المحكمة الدستورية؛ في محاولة واضحة لتعبئة الجماهير والرأي العام، وعدم استفزاز الشارع على حد تعبير الشيخ محمد عبدالله مبارك.

طبعاً نهنئ الحكومة على هذه الخطوة، ونتمنى أن يستمر التنسيق الإعلامي بين الوزراء، وأيضا التكتيك في إدارة الحملات الإعلامية بصورة تخدم المجتمع والكويت ككل، وألا تكون هذه الخطوة يتيمة كباقي الخطوات.

حملة الحكومة المكثفة باستمالة الرأي العام لها أو خلق مؤيدين لمشروعها لا يعني أن الشارع بات مقتنعاً، أو يمكن أن تموت التساؤلات في مهدها!! وصحيح ما ذهبت إليه الحكومة بأن القضاء هو مرجعية الفصل في جميع الاختلافات القانونية والدستورية، وأن مصير أي انتخابات مقبلة محفوفٌ بالمخاطر إن تم الطعن فيها، إلا أن التساؤل المشروع إذا كانت فعلا الحكومة حريصة على أن تكون الانتخابات محصنة دستوريا وقانونيا فأين كانت هي وفقهاء مجلس الوزراء والفتوى والتشريع من مشروع الدوائر الخمس آنذاك؟ ولماذا لم يبادر فقهاء الدولة في بحث الجانب الدستوري من مشروع الدوائر؟ وانتظر هؤلاء جميعا والحكومة على رأس الجميع أن يصدر الحكم الدستوري بعدم دستورية انتخابات 2012 وهو بناء على طعن من أفراد لا من الحكومة.

لن ندخل في نوايا من تقدموا بالطعن، وإذا ما كان الطعن بإيعاز أو تحفيز حتى تتبناه الحكومة وتوليه هذا الاهتمام، وتحيله إلى المحكمة الدستورية بهذا الوقت بالذات!!

بتقديري أن الحكومة لديها جزع واضح من تركيبة الأغلبية في مجلس 2012، وهي تدرك أن الشارع فعلاً يمكن أن يتحرك، وهو تحرك مشروع، لكن ماذا ستفعل الحكومة إذا ما جاءت رياح المحكمة بعكس مصلحتها، أو جاءت انتخابات جديدة بناء على ما تستقر إليه المحكمة بأغلبية «مزعجة» للحكومة؟ ماذا ستفعل حينها الحكومة؟ هل ستقدم على عدم التعاون حتى نعود إلى مربع الحلول الدستورية أو مربع الطعون والرجوع إلى القضاء؟!

كنا نتمنى أن تتبنى الحكومة المنطق إلى ما استندت إليه في الرجوع إلى القضاء من خلال مجلس الأمة وتحت قبة البرلمان، وأن تقبل «بالمخاطرة» مهما كان ثمنها، خصوصا أن ثمنها على النواب مهما كانت توجهاتهم الحزبية والطائفية أكثر بكثير من الحكومة.

الحكومة أقدمت على خطوتها القانونية وإن كانت متأخرة لكنها جاءت على أي حال، إلا أننا ندعو السلطة أن تنأى بنفسها وكذلك أي جهات أخرى عن التدخل بشؤون القضاء، وأن تكرس مفهوم احترامه واستقلاليته، وأن ترضى بالنتائج مهما كانت التكلفة، فنحن ليس أمام مشروع «لاعبني وألعب معاك»، إنما تحديات وطنية تستدعي احترام مكتسبات الماضي وتطوير الإنجازات بما يخدم الكويت بكل شرائحها وفئاتها، لا طبقات معينة ورؤى لا تؤمن بالديمقراطية الحقة، ونأمل أن تتهيأ الحكومة للتعامل بحكمة إذا ما انفعل الشارع نتيجة هذا القرار التاريخي، ودخولنا جميعا في نفق مظلم من الصعب التنبؤ بنهايته والله يستر ويسدد الخطى.

ودمتم سالمين.