بادرت على مدى العقود الماضية إلى تنظيم سلسلة من اجتماعات الغداء للمستثمرين الجادين كل صيف، بهدف استمزاج الآراء وتقييم الأوضاع العامة وأثرها على مشهد الاستثمار. ووجدت أن معنويات المستثمرين تراجعت خلال العامين الماضيين، ولعل ذلك يعود إلى أداء أسواق الأسهم خلال الأسابيع السابقة لمواعيد تلك الفعاليات وأثرها في تشكيل توقعات وآراء المشاركين. كان الشعار السائد في السابق "بيع الأسهم في مايو والذهاب في إجازة" صحيحاً وآتى ثماره في عامي 2010 و2011، أما هذا العام فقد بلغ السوق الأميركي أدنى مستوياته في 1 يونيو، بينما جرى تداول الأسهم على ارتفاعات أعلى خلال شهري يوليو وأغسطس.

Ad

الأخبار الاقتصادية الآتية حول الوضع الراهن في الولايات المتحدة مختلطة في أحسن الأحوال، وبينما قدم البنك المركزي الأوروبي السيولة اللازمة للإبقاء على الاتحاد الأوروبي واليورو، لم تُطبق التغييرات الهيكلية اللازمة لإيجاد حلول طويلة الأمد. وبالنظر إلى تلك القضايا معاً بشكل متكامل، فإن من الصعب فهم سبب الأداء الجيد للأسواق.

تعامل المستثمرون المحترفون مع هذا الوضع بابتعادهم عن المخاطرة خلال العام، على الرغم من الارتفاع الذي شهده السوق، ولذلك كان أداء مدريري أسواق المال أقل من المؤشرات الرئيسية. وكان المستثمرون في اجتماعات الغداء يبحثون عن أسباب لمواصلة الحيطة، كما يناقشون إمكانية زيادة الاستثمار بجرأة أكبر، دون أن ينسوا الاتجاهات السلبية التي طغت على النقاشات خلال السنتين الماضيتين، ثم فوجئوا بأداء قوي غير متوقع للأسهم في الربع الرابع. وربما كانت النظرة المتفائلة للمستثمرين خلال جلسات هذا العام تعني العكس، أي إن الأسواق قد تشهد مصاعب في الفترة المقبلة.

اعتقد كثيرون أن معظم التطورات الماضية تصب في صالح نمو الاقتصاد الأميركي. كان قطاع الإسكان يتراجع، مع احتمال استمرار انخفاض أسعار النفط بسبب ازدياد الإنتاج في أميركا الشمالية وانخفاض الطلب العالمي، كما كانت الموازنات متينة، وتحسنت الإنتاجية بشكل جعل القطاع الصناعي الأميركي يتمتع بكفاءة عالية في التكلفة، إضافة إلى وفرة في الأسهم منخفضة الثمن. اعتقد كثيرون أن الاقتصاد يمكنه تحقيق نمو بواقع 3 في المئة حتى أغسطس المقبل، كما اعتقد آخرون أن ارتفاع الضرائب المرتبط بتوقعات "الانهيار المالي الوشيك" قد يكون مسؤولاً عن التباطؤ. ناقشنا فرص عودة عمليات التصنيع المهاجرة إلى الخارج واستنتجنا بأن حدوث نهضة كبرى في هذا الجانب أمر مستبعد نظراً لأن آسيا لاتزال تتمتع بأفضلية كبرى من حيث قيمة أجور العامل الواحد في الساعة، رغم أن العمال الأميركيين كانوا أكثر إنتاجية. أبدى المجتمعون حماسة كبيرة تجاه الابتكار في القطاعات القائمة على المعرفة وشبكات التواصل الاجتماعي، مع الاتفاق على أن النمو المبهر للشركات في تلك المجالات لم يترك أثراً إيجابياً واضحاً على مشكلة البطالة في الولايات المتحدة. وسيجد العاملون المفتقدون للمهارات التقنية صعوبة في العثور على وظائف دائمة، كما أن الكثير من العاطلين عن العمل يحتاجون إلى إعادة التدريب – وهو أمر يتطلب تمويلاً ليس من السهل توفيره.

كان من المتفق عليه أن الجمود السياسي في الولايات المتحدة أمر سيىء وأن الحاجة إلى التغيير ملحة، لكن مع تباطؤ الاقتصاد سيكون تخفيض النفقات خطوة سلبية. تساهم الحكومة بنسبة 25 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، فما السرعة التي يمكن للاقتصاد تحقيق النمو بها في حال قامت الحكومة بإجراء تخفيضات حادة في إنفاقها؟ لهذا السبب اعتقد الكثيرون أن "الانهيار المالي الوشيك" لن يحدث قريباً، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية.

وفي كافة الجلسات اعتقدت الغالبية أن مؤشر ستاندرد آند بورز "SandP 500" سيبلغ 1500 نقطة قبل نهاية العام، كما اعتقد البعض أن بلوغ مستوى 1600 ممكن بحلول أغسطس المقبل. إلا أن قلة من الحاضرين توقعت تراجع المؤشر إلى 1250 نقطة (وهي النقطة التي بدأ بها العام) خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة.

الأمر المفاجئ أن غالبية المشاركين اعتقدوا أن الاتحاد الأوروبي سيبقى متماسكاً خلال العام المقبل. وسيواصل البنك المركزي الأوروبي توفير السيولة اللازمة للحفاظ على عائدات سندات العشر سنوات لكل من إيطاليا وإسبانيا دون نسبة 7 في المئة، كما أنه سيساعد على تمكين اليونان والبرتغال من تلبية التزاماتها وإبقاء حكوماتها تعمل وتدفع رواتب موظفيها. انبهر البعض بالتغيرات التي حققتها الدول الأضعف في هيكلية التكاليف الحكومية، ورأت الغالبية أن فرض إجراءات التقشف الصارمة على الدول الضعيفة كان خطأ لأن النمو سيكون ضرورياً لتخفيف الدعم المالي الزائد. كما رأى كثيرون بأن النظام المصرفي الأوروبي يعاني خللا كبيرا.

ظهرت مخاوف لدى المجتمعين بشأن الاقتصاد الصيني. وبينما كان القلق يتركز في السنتين الماضيتين حول ازدياد أنشطة بناء الشقق والمكاتب، فإن متابعي الاقتصاد الصيني أصبحوا أقل قلقاً الآن، لكنهم لايزالون متخوفين بسبب انخفاض الطلب الأميركي والأوروبي على العقارات الصينية. وقال أحد المشاركين ان انخفاض الأسهم الأسترالية يعزى أيضاً إلى التباطؤ في الصين.

وكانت هناك مخاوف حول تغيير النظام في الصين، وهو أمر لا يمكن أن يمر بسلاسة كما في الماضي. ربما تكون القيادة الجديدة أكثر صرامة في التعامل مع الفساد بحيث تراقب العلاقات بين الموظفين الحكوميين والشركات الخاصة بحزم أكبر، وتقدم دعماً أكثر للمؤسسات الحكومية. وكان ثمة اتفاق على أن الصين أخفقت في إعادة توازن اقتصادها، وبسبب افتقار الاقتصاد الصيني لشبكة الأمان الاجتماعي التي تتمتع بها أوروبا والولايات المتحدة، فإن الصينيين يشعرون بالحاجة إلى الادخار من أجل التقاعد والرعاية الصحية، في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة تشجيع الناس على زيادة إنفاقهم.

واعتقدت المجموعة أن خطر التباطؤ المفاجئ للنمو ودخول الصين مرحلة الكساد كانا أكبر مما تحتمل الحكومة أو تسمح بحدوثه، وأن لدى الصين الأدوات المالية والنقدية التي تمكّنها من تجنب الأمر. وقد حدثت بالفعل عدة اضطرابات اجتماعية، وفي حال تحقيق الاقتصاد نمواً يبلغ 7 في المئة أو أكثر فإن تلك الاضطرابات سوف تزداد، وتوقع البعض تغيرات سياسية خلال السنوات الخمس المقبلة. الآن، ومع تباطؤ الاقتصاد، فإن الحكومة تواجه ضغوطاً أكبر لتقدم المزيد من الخدمات. وفي الوقت الذي يستبعد فيه تبني الصين قريباً للديمقراطية الغربية، يعتقد الكثيرون بأن النظام السياسي سيصبح أكثر تحرراً خلال عقد من الزمان.

وبالطبع كان هناك الكثير من الجدل حول الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة، وغالبية المجتمعين يتوجهون للتصويت لصالح رومني، ومع ذلك فإن غالبية هؤلاء المشاركين وفي كل اجتماعات الغداء يتوقعون فوز أوباما.

وعن الانتخابات قال الجميع تقريباً انهم غير راضين عن الأجواء السلبية المحيطة بالحملات الانتخابية لكلا الطرفين، وبدا أن تلك النبرة السلبية ذات أثر أكبر في الولايات التي لم تحسم أمرها بعد. رأت الغالبية ضرورة إعادة دراسة القانون الضريبي بينما رأى البعض بأن تخفيض معدل الضريبة الأعلى من 35 في المئة إلى 25 في المئة سيساهم في جعل العجز أسوأ حتى مع تقليص الإعفاءات الضريبية. كانت هناك مشاعر قوية بأن المجموعات ذات الاهتمامات الخاصة ستحتفظ ببعض الإعفاءات.

شهدنا أيضاً تذمراً واسعاً حيال عدم قدرة الحكومة على إنجاز أي شيء. وكان البعض يأمل في اكتساح الجمهوريين أو الديمقراطيين للرئاسة والكونغرس معاً بما يسهل تمرير التشريعات. وترى الغالبية أن "الانهيار المالي الوشيك" لن يحدث قريباً بصرف النظر عن نتائج الانتخابات المقبلة.

اعتقد كثيرون أن إسرائيل ستضرب إيران إن اقتربت من تطوير سلاح نووي، وشعر البعض بأن الشعب الإيراني يعاني بسبب العقوبات في ظل سيطرة رجال الدين على الدولة. ويرى الكثيرون أن "الربيع العربي" سيزهر في إيران خلال السنوات القليلة المقبلة، لأن الشعب أصبح متعلماً وعصرياً وسيعمل في نهاية المطاف على التخلص من نظام الحكم الحالي المستبد.

كما أجمعت التوقعات على أن سعر الذهب بلغ مستويات عالية جداً عند 1900 دولار أميركي، لكنه سيواصل الصعود، وكان هناك إجماع أيضاً على تباطؤ النمو الاقتصادي في كل من الهند والبرازيل.

تناولت العديد من النقاشات جانبي كلٍ من تلك القضايا، لكن الاستنتاجات العامة جاءت إيجابية، وأشعر بالفضول لمعرفة ما إن كانت النظرة المتفائلة للمستثمرين خلال جلسات هذا العام تعني العكس!

* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون