رغم تجاوز الدين العام المحلي لمصر تريليون جنيه بعد الثورة، فإن الحكومة لم تجد سبيلا أمامها سوى الاقتراض لسداد ديونها المتراكمة، ومع تنامي الدعاية لـ"مشروع النهضة"، وما يحققه من إنجازات اقتصادية، جاءت النتيجة الواقعية باقتراض الحكومة 18 مليار جنيه في أول شهرين فقط من حكم الرئيس محمد مرسي، لتتزايد الديون والأعباء أكثر مما هي عليه، في ما يرى عدد من الخبراء أن دعامة الإنقاذ لهذه الأزمة هي الاستثمارات الأجنبية العاجلة وتطبيق الضرائب التصاعدية.

Ad

وقال مصدر مسؤول في وزارة المالية المصرية إن الحكومة اقترضت حوالي 18 مليار جنيه في أول شهرين من حكم الرئيس محمد مرسي، وليس كما يتردد 136 مليارا، موضحا أن مبلغ 136 مليارا هو حجم السندات وأذون الخزانة التي تم طرحها، لكن يقابلها إهلاك 120 مليارا هو حجم تسديد الديون والفجوة بينهما 18 مليارا هي حجم الدين الحقيقي.

مساعدات بترولية

وكشف المصدر عن توقيع قروض مع بعض المؤسسات الإسلامية بمبلغ 2.25 مليار جنيه، كمساعدات في مجال البترول، لافتا إلى أن الدولة في سبيلها لتوقيع اتفاقات مع قطر والكويت والسعودية بعد لقاءات مع الرئيس محمد مرسي ومستثمرين، وتم توقيع اتفاقات بالحروف الأولى.

وأوضح أن من أهم الإجراءات التي تسعى الحكومة إلى اتخاذها تعديل المنظومة الجمركية للحد من ظاهرة التهرب الجمركي التي تضيع على خزانة الدولة مليارات كل عام، إضافة إلى الاتجاه إلى ضرورة طرح قانون لمحاسبة التهرب الضريبي بالحبس الذي يوفر على أقل تقدير 30 مليار جنيه.

وأضاف أنه لتسديد كل هذه الديون وفوائدها وأقساطها لابد أن يصل حجم النمو إلى 8 في المئة، مشيرا إلى أنه لتحقيق هذه المعدلات تستهدف الحكومة جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في جميع المجالات.

ولفت إلى أن من بين الإجراءات إعادة النظر في الصناديق الخاصة كما أعلن وزير المالية د. ممتاز السعيد سابقا، موضحا أن حجم الصناديق الخاصة 42 مليار جنيه، وهي لم تساعد في حل مشاكل مصر، لكنها تساهم بجزء لا بأس به.

تبعات الاقتراض

وحذر الخبير الاقتصادي في معهد التخطيط د. محمود عبدالحي من لجوء الحكومة للاقتراض في الآونة الأخيرة، مشيرا إلى أن الاقتراض سيعمل على زيادة الدين الداخلي، فالدين يظل قائما ويتم دفع الفوائد عليه، ما يزيد معدل التضخم ويسيء توزيع الدخل القومي، لأن فوائد هذه القروض تعود لعدد معين من الأفراد، إضافة إلى أنه يمثل عبئا على الأجيال القادمة.

وشدد عبدالحي على ضرورة وضع الحكومة برنامجا وخطة لسداد هذه الديون، وأن تكون هناك شفافية، مشيرا إلى أنه لن يتم تغيير القوانين في يوم وليلة، ولن يتم الكشف عن الأموال التي لم تكن تدخل في الميزانية وأموال الصناديق الخاصة إلا بوجود حكومة منتخبة وبرلمان منتخب يستطيع أن يحاسب هذه الحكومة.

وأشار إلى أنه حتى لو لجأت الحكومة إلى الاقتراض فيجب أن يكون من أجل إقامة مشاريع إنتاجية بالدرجة الأولى لزيادة قدرة الاقتصاد القومي، وزيادة فرصة دفع هذه الديون، مطالبا الحكومة بأن تضع خطة عاجلة لكيفية سداد الدين الداخلي والخارجي في الفترة القادمة.

استثمارات محلية

من جانبها، قالت المديرة التنفيذية للمعهد المصرفي المصري د. منى البرادعي إن حل مشكلة مصر الاقتصادية، وفي مقدمتها الوفاء بالديون وفوائدها، تتلخص في الحاجة إلى استثمارات محلية ضخمة، وعدم الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية فقط، موضحة أنه بدون اتخاذ خطوات جادة في هذا الصدد فإن الموازنات القادمة ستخصص مبالغ متصاعدة لسداد أقساط وأصول الدين.

وأوضحت البرادعي أن الخطورة الحقيقية لهذه المديونيات تكمن في عدم القدرة على سداد أقساط الديون، مشددة على أهمية زيادة الناتج المحلي من خلال زيادة إنتاجية العمال، وترشيد الإنفاق الحكومي والبحث عن موارد جديدة لتمويل الموازنة العامة للدولة وخفض العجز فيها، حتى لا تضطر مصر للاستمرار في الاستدانة من الخارج أو الداخل.

وشددت على أن مصر مازالت بحاجة إلى استعادة المستثمرين الأجانب لتخفيف الضغط على البنوك المحلية والمساعدة في تمويل عجزها المالي، مؤكدة ضرورة اتخاذ سياسات اقتصادية أكثر فاعلية وتأثيرا على المدى القصير، تساعد على تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال عدد من القرارات والإجراءات التحفيزية والتنشيطية للاستثمار.

وأشارت إلى أن الأولوية العاجلة تتمثل في ضمان تمويل كاف لحماية الاقتصاد خلال العام المقبل، مشددة على أهمية البدء في طرح أجندة متوسطة المدى، تشمل مثلا إصلاح نظام الإعانات الحكومية، التي تشكل عبئا كبيرا على الميزانية، وأن تضع سياسات لتحقيق نمو أعلى وأكثر شمولا، يشمل تمويلا وتنظيما أسهل للشركات والمشروعات الصغيرة التي تعاني حاليا من أجل الحصول على قروض مصرفية، بينما تعتبر مشكلة الدين الأصعب ضمن مشكلات مصر الاقتصادية، ورغم ذلك لم تتخلف أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان عن سداد أقساط ديونها في أسوأ الظروف الاقتصادية.

170 مليار جنيه

من جانبه، قال أستاذ المالية العامة الخبير المالي عبدالمنعم لطفي إن مصر عليها ما يقرب من 170 مليار جنيه خدمات ديون داخلية وخارجية، مؤكدا أن هذه الأموال بمثابة قروض سابقة مقرر دفع أقساط وفوائد عليها.

وأشار لطفي إلى أنه لو كان تم استغلال الموارد الكائنة للدولة على النحو المطلوب لما استدانت ولاستطاعت توفيرها لخدمات التعليم والصحة ومياه الصرف الصحي والتنمية البشرية، لافتا النظر إلى أن العجز يمثل الفجوة بين الإيرادات والنفقات، وهناك ثغرة حادة ملحوظة بينهما.

وطالب بضرورة العمل بمبدأ التصاعد في الضريبة وفقا لمؤشرات محددة، بما تندرج تحت مسمى "الضريبة التصاعدية"، لتوفير مخصصات مرتفعة من الإيرادات، وللمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني، إضافة إلى ضرورة تحصيل المتأخرات الضريبية للدولة وترشيد النفقات والعمل على إعادة هيكلة الإنفاق العام، فضلا عن ضرورة إعادة النظر في دعم المصانع كثيفة الاستهلاك في الطاقة وتقليص دعم الصادرات، فضلا عن تخصيص نسبة معينة من أموال الصناديق الخاصة، تزيد على 5 في المئة، التي تحصلها وزارة المالية، والباقي يذهب في حسابات ودائع البنوك، وكذلك تشجيع القطاع الخاص واستثمارات البنية الأساسية، لتقليص نفقات الحكومة وتخفيض عجز الموازنة العامة للدولة.