لدي إحساس كبير نتيجة للظروف السائدة في البلاد وآراء بعض الأساتذة القانونيين البعيدين عن وسائل الإعلام، أن المحكمة الدستورية لن يكون لها قرار قاطع بإبطال الدوائر الخمس، وستعيد أمر توزيعها كأمر فني للسلطتين التنفيذية والتشريعية مرة أخرى للبت فيها ضمن صلاحياتهما سواء كان ذلك بمرسوم ضرورة أو بتشريع برلماني من مجلس الأمة، مما سيجعل ما سنمر به من أزمة سياسية ممتدة وتصعيد في الشارع عبثاً بلا طائل، كان الأجدى منه المباشرة في معالجة خلل نظام الدوائر الخمس بمرسوم ضرورة المتمثل في منح الناخب حق الصوت الواحد بدلاً من أربعة أصوات الذي يمثل نظاما مختلا شبه حزبي

Ad

(القائمة) في غياب قانون ينظم الأحزاب ويمنع التكتلات الانتخابية الطائفية والقبلية.

ورغم رؤيتي التي يشاركني فيها الكثيرون للقضية، فإن ما قامت به الحكومة من الطعن في نظام الدوائر الخمس وإحالته الى المحكمة الدستورية للبت فيه هو قرار يدخل ضمن ولاية أعمالها ولا يخرج عن صلاحياتها واختصاصاتها الدستورية الأصيلة، وفعلٌ لا يشكل أي تجاوز دستوري، لذلك لا أجد سندا لما تسمى بالأغلبية المبطلة في التصعيد والمواجهة والنزول للشارع، إلا إن كانت الأغلبية تريد أن تدير الحكومة طبقا لتوجيهاتها، وهو ما يشكل المخالفة الصريحة للدستور لو جارتها الحكومة فيه وتنازلت عن سلطاتها، وأصبحت قراراتها تتخذ وفقا لما يوجه لها من آراء المجموعات السياسية التي تدعي أنها تمثل الأغلبية.

الخطورة في الأمر أن في ثنايا معارضة قرار الإحالة الحكومية - الذي أعتبره قراراً شجاعاً في الظروف الحالية- هو التشكيك المبطن من الأغلبية المبطلة في القضاء ومحاولة الضغط عليه لاتخاذ ما يشتهونه، وهو استمرار لنهج مدمر يستهدف القضاء منذ أن بدأت ممارسات الاعتصام والتجمهر أمام قصر العدل ومرافق النيابة العامة لفرض رأي سياسي على قرار سلطة تمثل المرجع الفصل لضمان بقاء الدولة المدنية المؤسساتية واستقرارها، وهو ما لم يتمكنوا من تحقيقه حتى الآن، ولكنه ينال من هيبة هذه السلطة المهمة، ويجعل تحول البلد إلى حالة فوضوية أسهل لدى الأجيال الصاعدة التي ترسخ في وجدانها ممارسات ضرب المؤسسة القضائية وتسفيه مرجعيتها في الدولة.

ولذلك فإن لجوء الحكومة في أي موضوع إلى القضاء لا يمكن أن يكون محل طعن وتشكيك، وإن كان يجب مواءمة السلطة التنفيذية لقراراتها باللجوء إلى القضاء لعدم إحراجه في قضايا جدل سياسي محتدم، إلا إذا وصل إلى نقطة الصدام التي يجب حسمها، ونحن حاليا في الكويت في حالة صدام وانقسام شديدين بين جماعة تعتبر نفسها الأغلبية الكاسحة التي يجب أن تأمر فتطاع، وجماعة أخرى ترى أن الدولة، دستورا ومؤسسات، في خطر من أغلبية تريد أن تسير الأمور وفق رؤيتها وتفسيرها الذاتي للدستور والقوانين ومحاولة إقصائها لجميع مخالفيها الرأي وسعيها لنسخ الدولة لتكون دولة دينية أصولية وسط توتر مذهبي وعرقي ملحوظ، وهي حالة انقسام وطني لا يريد أحد، وخاصة الأغلبية المبطلة أن تجد نقطة وسط للتلاقي فيها، والوصول إلى حلول توافقية تمنع الصدام والتناحر العبثي في البلد، وغالباً فإن المجتمعات التي تعيش مثل هذه الحالة تكون السلطة القضائية هي صمام الأمان الذي يفصل في الأمور ويمنع الانفجار والفوضى، وعليه فإن كل قرار للجوء إلى القضاء في هذه المرحلة هو مبرر، وحماية القضاء والدفاع عنه هو أمر مقدس لا يمكن التهاون فيه أو التقصير حياله في هذه الظروف العصيبة.