دشن مجلس الأمة دور انعقاده الأول للفصل التشريعي الرابع عشر وسط عدة تساؤلات عن مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية منها، هل قانون "الصوت الواحد" سيحقق هدف الاستقرار السياسي؟ وهل القوانين التنموية سترى النور فعلاً؟ وقد يكون السؤال الأهم في هذه المرحلة هو، مَن سيد الموقف القادر على مسك خيوط اللعبة؟ وفي أي اتجاه سيسير بها؟

Ad

المؤشرات الأولية

يقول مراقبون إن مؤشرات المشهد السياسي الأولية لم تختلف كثيراً عن تلك التي رافقت بدايات مجلس 2012 المبطل، فطرح القوانين الشعبوية كشراء فوائد القروض، وزيادات القرض الإسكاني، وعلاوات الأطفال وغيرها من القوانين ذات الكلفة المالية تصدرت قائمة الاقتراحات المقدمة.

ويضيفون أن لغة الخطاب هي الأخرى لم تشهد تغييراً يذكر، فالتصعيد والتهديد بالاستجوابات تسيد الأحداث، ويشير المراقبون إلى مفارقة في وجه الشبه بين مجلسي 2012، فنائب رئيس الوزراء وزير المالية مصطفى الشمالي كان هدفاً نيابياً في "المبطل"، وهدفاً جديداً في المجلس الجديد من بوابة المقترحات الشعبوية.

ويرون في أجواء اليوم انعكاساً لمراحل وعلاقات سابقة بين المجالس والحكومات، إذ أصبح "عرفاً" أن التهديد بالاستجوابات والتصعيد، والضغط على الحكومة عبر القوانين الشعبوية يحققان للنواب مكاسب انتخابية وسياسية، وهو ما يطمح إليه كثير من أعضاء المجلس الجدد، بغض النظر عن تصنيفهم كموالاة أو معارضة.

المقايضة السياسية

ولمواجهة هذه الأدوات النيابية في العمل البرلماني، تجد الحكومة نفسها في موقع يفرض عليها تقديم التنازلات أحياناً لإعادة التوازن في العلاقة ما بين السلطتين من جهة، وتمرير قوانينها ومشاريعها من جهة أخرى، الأمر الذي يجعل العلاقة بين السلطتين قائمة على المقايضة السياسية.

ويحذر المراقبون من خطورة بناء علاقة بهذا الشكل بهدف تحقيق الاستقرار، مؤكدين أن التنازلات التي ستقدمها الحكومة للنواب ستكون بلا نهاية وبأثمان مرتفعة، وسيرتفع سقفها مع ارتفاع القضايا المطروحة على الساحة، بل وستكون على حساب القوانين التنموية التي ستجد نفسها أسيرة لمقايضات بين الحكومة والنواب حتى ترى النور.

المرحلة المقبلة

يدرك أعضاء المجلس الجديد أن الأشهر القليلة المقبلة، ولحين صدور حكم المحكمة الدستورية بالطعون المقدمة بمرسوم الضرورة بتعديل قانون الانتخاب، تمثل مرحلة اختبار شعبية قصيرة لهم، فهاجس تكرار إبطال المجلس عبر حكم "الدستورية" حاضر بقوة، والعودة إلى الانتخابات أمر لم يسقط من حساباتهم، وهو ما يتطلب منهم العمل "مؤقتاً" كمرشحين إلى حين تجاوز مرحلة الطعون، سواء من حيث القوانين الشعبوية أو معارضة الحكومة بشدة.

أما الحكومة فهي مازالت تتابع الساحة عن كثب لمعرفة نتيجة رهانها على "الصوت الواحد" ومخرجات مجلسه، وحملت بالونات الاختبار التي أرسلتها في انتخابات رئاسة المجلس ونائبه، وكذلك اللجان البرلمانية نتائج غير مشجعة لها، فردة الفعل من بعض النواب حملت رسائل مباشرة بأن المعارضة مازالت هنا، ولعل تصريح النائب عدنان عبدالصمد لـ"الجريدة" في وقت سابق بقوله: "واهمة الحكومة لو اعتقدت أن المعارضة المشاغبة انتهت"، خير دليل على أن المواجهة بين السلطتين قادمة لا محالة.

قد تشهد المرحلة المقبلة معركة كسر عظم بين السلطتين، فالحكومة إما أن تواجه المجلس وقوانينه الشعبوية واستجواباته لتتخلص من ثوب "الخضوع"، أو تعود إلى عباءة المقايضة مع النواب وتمرير المعاملات والتعيينات وغيرها لشراء ودهم، إلا أنه في جميع الأحوال فإن الكلفة ستكون باهظة على الجميع إن لم تصل السلطتان الى نمط جديد في العلاقة يتجاوز الماضي وأساليبه.