ليس هناك موقف مُوحَّد من الإعدام في العالم، وربما اتضح ذلك في أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في ديسمبر ١٩٤٨، لم يتضمن موقفاً من الإعدام، وحتى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية كذلك لم يتضمن موقفاً منه، بل جاء في البروتوكول الاختياري المرفق بهذا "العهد". لكن الملاحظ أن التوجه الدولي يتزايد بشكل لافت نحو إلغاء الإعدام كإجراء. وفي ذلك لاحظت منظمة العفو الدولية أنه في سنة ١٩٧٧ (وفيها صدر أول تقرير يرصد الإعدام في العالم) لم يتجاوز عدد الدول التي ألغت الاعدام حينذاك ١٦ دولة فقط، أما اليوم فهي ١٤١ دولة، سواء بالقانون أو بالممارسة.

Ad

تتوزع دول العالم في موقفها من الإعدام إلى مجموعتين رئيسيتين، الأولى إبقائية، أي تلك الدول التي مازالت تحتفظ بالإعدام ضمن تشريعاتها وقوانينها وممارستها وعددها ٥٧ دولة، والأخرى هي الدول التي ألغت الإعدام نهائياً من الممارسة أو القانون، وعددها ١٤١ دولة، وهذه تنقسم ما بين دول ألغت الإعدام نهائياً من القانون والممارسة وعددها ٩٧ دولة، وتلك التي ألغتها بالممارسة فقط وعددها ٣٦ دولة، وتلك التي ألغتها للجرائم العادية وعددها ٨ دول.

وتتركز الدول العربية، باستثناء جيبوتي، في خانة الدول الإبقائية، يضاف إليها إيران والولايات المتحدة والصين، وهو أمر يدل على أن النقاش والحوار حول موضوع الإعدام ليس من ذلك النوع الذي يتم بين ثقافات متباينة، بل نجده موجوداً وحاضراً داخل الثقافات ذاتها، والحجج هي الحجج العامة التي تسمعها في كل مكان، مع استثناءات هنا أو هناك، كالاستناد إلى الأسانيد الدينية في إبقاء الإعدام وعدم إلغائه، وربما كان ذلك هو السند الأقوى الذي تستند إليه دول عربية وإسلامية، وإن كان ذلك لا يعكس واقع الممارسة، وهكذا تأتي دوماً الآية الكريمة "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ".

ولربما كان ذلك سبباً في تعامل دعاة الإلغاء بأقصى درجات المرونة في مثل هذه الحالات، فإن كان لابد من الإبقاء على الإعدام في جرائم القتل العمد فإنه من الأجدى تشجيع العفو "فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" كما جاء في آية أخرى. وإن كان لابد من الإبقاء على هذه العقوبة انطلاقاً من ذلك، فإنه من غير المقبول التوسع في إصدار التشريعات لجرائم جديدة تكون عقوبتها الإعدام، وبالتأكيد عدم تضمين حكم الإعدام في تشريعاتٍ لجرائم سياسية أو رأي، وتقييد الإعدام إلى أقصى درجة، خاصة في تلك الدول التي لم، وربما لن، تتمكن من الإلغاء النهائي لأسباب متعددة.

وللحديث بقية.