إن المطلوب الآن حكوميا هو حل مجلس 2009 المرفوض شعبيا ورسميا، والعائد بحكم المحكمة الدستورية فوراً، والدعوة لانتخابات عامة مع ضرورة إنشاء هيئة مستقلة للانتخابات تتولى الإشراف الكامل على الانتخابات بشرط عدم العبث بالدوائر الانتخابية.
"موضوع صحة الإجراءات الدستورية التي رافقت استقالة الحكومة السابقة، وتعيين رئيس مجلس الوزراء الجديد ثم حل مجلس الأمة، يجب أن يحظى بالاهتمام اللازم من قبل القوى الحريصة على احترام الدستور، لأن هناك آراءً دستورية معتبرة ترى أن الإجراءات كانت غير سليمة، وهو ما سيثير شبهة عدم الدستورية على المجلس القادم، ناهيكم عن مبدأ رفض تجاوز الدستور مهما كانت المبررات".الفقرة السابقة كتبناها في هذه الزاوية بتاريخ 14 ديسمبر 2011، أي بعد حل مجلس 2009، رغم معرفتنا بأن هناك آراءً قانونية أخرى لها وزنها كانت ترى أن الإجراءات الدستورية التي اتخذت كانت سليمة، لكن ما دعانا لقول ذلك هو معرفتنا بطبيعة الصراع السياسي المحتدم منذ بداية العهد الدستوري، ونوعية الأدوات التي استخدمت وستستخدم فيه، بالإضافة إلى الخوف من أن يكون هناك بالفعل شبهات دستورية.أما الآن وقد صدر حكم المحكمة الدستورية بإبطال مجلس 2012 فإنه من واجب الجميع احترامه وتنفيذه على الفور، لكن ذلك لا يتعارض مع استمرار الجدل القانوني والنقاش العلمي بين ذوي الاختصاص، والانتقاد الموضوعي من قبل الساسة والرأي العام لحكم المحكمة، فذلك شيء صحي ومطلوب.وفي هذا السياق فإن اللافت للنظر هو ما جاء على لسان وزير العدل الأستاذ جمال الشهاب أثناء المؤتمر الصحافي الذي عقده بمعية وزير الإعلام، وبالذات عندما قال "إن حكم المحكمة الدستورية يختلف باختلاف الظروف والمقاصد والأهداف السياسية"، فهل هذا معناه أن أحكام المحكمة الدستورية مسيّسة؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، ألا يتعارض ذلك مع مبدأ فصل السلطات الوارد في المادة 50 من الدستور؟على أي حال، فإن المطلوب الآن حكوميا هو حل مجلس 2009 المرفوض شعبيا ورسميا، والعائد بحكم المحكمة الدستورية فوراً، والدعوة لانتخابات عامة مع ضرورة إنشاء هيئة مستقلة للانتخابات تتولى الإشراف الكامل على الانتخابات بشرط عدم العبث بالدوائر الانتخابية؛ لأن تغييرها في هذا الوقت بالذات، أي بعد حل مجلس 2009، يتطلب "مرسوم ضرورة"، وهو ما يعني أن تغييرها يعتبر ضرورة لا تحتمل التأجيل وهذا غير صحيح الآن، بل على العكس فإن تغيير الدوائر الانتخابية في ظل غياب مجلس الأمة، وبعد أن أبطلت المحكمة الدستورية مجلس 2012 الذي فقدت فيه الحكومة "مؤيديها" لا يفهم منه سوى أنه محاولة حكومية مكشوفة لإقصاء مرشحين معينين، وهذا يعتبر عبثاً سياسياً ستكون نتائجه عكسية على الحكومة.أما شعبياً فإن تحقيق المطالب المستحقة يتطلب توافقاً وطنياً بين عناصر وقوى التغيير السياسية والشبابية حول مطالب سياسية محددة تحظى بالتفاف شعبي عام، يترتب عليه تحرك جماعي لا ردود أفعال عاطفية، فلا يمكن لطرف سياسي الانفراد بقيادة الحراك الشعبي وإنجاز المطالب الشعبية الحقيقية والملحة لوحده.
مقالات
ما بعد حكم الدستورية
25-06-2012