خلال الأسبوعين الماضيين تم الإعلان عن ضخ الهيئة العامة للاستثمار 250 مليون دينار في المحفظة الوطنية العقارية بإدارة شركة المركز المالي، ليصل المبلغ المدفوع من هيئة الاستثمار لهذه المحفظة الى 500 مليون دينار مناصفة بين المركز المالي وبيت التمويل الكويتي.

Ad

وخلال نفس الفترة كذلك بدأ التوأم الثاني، المحفظة الوطنية الاستثمارية خصوصاً في الأسبوع الجاري، تحركاته وسط معلومات عن ضخ ما بين 300 الى 400 مليون دينار لدى شركات استثمارية غير الكويتية للاستثمار ووفرة للاستثمار، وهو ما يفسر ارتفاع وتيرة السيولة النقدية خلال الشهر الجاري من 41 مليون دينار في الأسبوع الأول من الشهر (3 جلسات) إلى 113 مليونا في الأسبوع الثاني (5 جلسات) إلى 119 مليوناً في الأسبوع الثالث (4 جلسات ) إلى 164 مليوناً في الأسبوع الحالي (4 جلسات دون احتساب جلسة اليوم الخميس).

أسئلة مستحقة

هذه السيولة النقدية، التي تناهز قيمتها مليار دينار (مع احتساب المدفوع للمحفظة العقارية ورأسمال المحفظة الاستثمارية) ويمكن ان يضاف اليها مبلغ اضافي لتصل الى 1.4 مليار دينار، تدفع إلى التساؤل عن الهدف من ضخ السيولة في السوق في هذا الوقت! وهل الهدف استثماري ام يتعلق بالأزمة السياسية؟ وهل مشكلة السوق (عقاراً وأسهماً) تتمثل في انخفاض اسعار الأصول ام في ضعف البيئة الاستثمارية؟

هناك اسئلة تحتاج إلى شفافية اكبر من مديري المحفظتين، خصوصا ان عمر هاتين المحفظتين نحو 4 سنوات للاستثمارية وسنتين للعقارية، وبالتالي فإن تفعيلهما في هذا الوقت بالذات مثار لشكوك ربما يغلب فيها الجانب السياسي على الفني.

شروط للانتعاش

الأهم من الشك السياسي هو ان الدولة اذا ارادت فعلا ان تنشط السيولة في السوق فعليها ان توفر البيئة المناسبة لهذا النشاط من خلال رفع نسبة الإنفاق الاستثماري، فإذا اطلعنا على المصروفات العامة للكويت بين عامي 2000 و2010 فسنجدها بلغت 92 مليار دينار، أي 320 مليار دولار، منها 82 مليار دينار (286 مليار دولار) مصروفات جارية تتضمن الرواتب ودعم السلع والخدمات (إنفاق استهلاكي) بما يعادل 89 في المئة من المصروفات العامة.

في المقابل، وصلت قيمة الإنفاق الرأسمالي على المشاريع خلال نفس الفترة (2000 – 2010) إلى 9.7 مليارات دينار أي 33.8 مليار دولار، أو ما يعادل نحو 11 في المئة من إجمالي المصروفات العامة خلال الفترة محل المقارنة.

وبين الإنفاقين الاستهلاكي والرأسمالي تكمن علة البورصة والشركات والقطاع الخاص بل والاقتصاد بشكل عام، فكلما انخفض الرأسمالي وتراجعت المشاريع ضاقت الفرص المتاحة لنمو القطاع الخاص.

فلسفة الميزانية

لابد من إعادة التفكير في فلسفة إعداد الميزانية في الكويت من خلال إعادة توجيه الإنفاق، فحسب ميزانية عام 2011 - 2012 فإن المرصود للإنفاق الاستثماري بلغ 3.1 مليارات دينار من أصل 19.4 مليار دينار، أي ان الإنفاق الاستثماري يشكل 15.9 في المئة من إجمالي الإنفاق، وهي نسبة قليلة خليجياً، إذ يتراوح الإنفاق الاستثماري خليجياً بين 18 و33 في المئة إضافة إلى أن المبلغ المرصود للإنفاق الاستثماري لم يصرف منه إلا 64 في المئة فعلياً، مما يشير بشكل جلي إلى وجود أزمة حقيقية في الإنفاق والعقلية التي تديره.

ومن خلال الاطلاع على التقارير الخليجية الخاصة بإنفاق دول الخليج على مشاريع البنية التحتية والبناء ومشاريع النفط والغاز قيد التنفيذ وفي مرحلة التخطيط نجد أن سجل الكويت غير مشرف بتاتا في هذا المجال، إذ تنفق دول مجلس التعاون الخليجي 1.86 تريليون دولار، نصيب الكويت منها 140 مليارا.

واستحوذت كل من السعودية والإمارات على نصيب الأسد من تلك المشاريع، بقيمة 664 مليار دولار للأولى، و643 مليارا للثانية، أي بنسبة 70 في المئة، أما الكويت فقد تذيلت القائمة بمشاريع نسبتها 7.5 في المئة، متخلفة عن القائمة الخليجية في الإنفاق على المشاريع التي هي أصلا مشاريع قيد التخطيط أو متأخرة في التنفيذ.

لذلك فإن الحديث عن ضخ السيولة في البورصة ربما يمكن ان يكون مجديا من الناحية الاستثمارية البحتة للمحفظتين الاستثمارية والعقارية، الا انه لن يكون محفزا لاستقطاب السيولة، إذ إن العلة في البيئة الاستثمارية، التي تجعل اجمالي ودائع العملاء لدى قطاع البنوك الكويتية يبلغ 30.9 مليار دينار.

الفرصة المفقودة

ولعل السؤال الأهم: ما الفرصة الاستثمارية التي تجدها المحفظتان في البورصة والعقار في السوق ولا تجدها ودائع العملاء القابعة والمتزايدة في البنوك؟ مع العلم ان العائد على الودائع ضعيف جدا ولا يتجاوز 2%، الأمر الذي يجعل المستثمرين يسعون إليها، لو كانت هناك فرصة استثمارية حقيقية لتسييل ودائعهم والاستثمار في الاصول قبل حتى ان تفكر الحكومة في الاستثمار فيها.

فما دامت بيئة الاستثمار في الكويت شبه معدومة، فلا امل في انتعاش البورصة ولا القطاع العقاري بشكل حقيقي وطويل، فالبيئة الاستثمارية في الكويت شبه ميتة، ولا يوجد اي مؤشر يشجع على تحويل هذه الأموال الى مشاريع حقيقية، الأمر الذي ينعكس سلبا على تحريك عجلة الاقتصاد وزيادة فعاليتها.