أيعقل أن أحدا من الخبراء الدستوريين النشطين هذه الأيام لم ينتبه منذ 2006 لوجود شبهة عدم دستورية النظام الانتخابي (توزيع الدوائر وآلية التصويت) الذي أقر عام 2006 رغم أنه أُقر بعد حركة مطلبية شبابية ضخمة هي "نبيها خمس" التي ترتب عليها استقالة الحكومة وحل المجلس والدعوة لانتخابات عامة جديدة؟

Ad

لماذا تثار شبهة عدم الدستورية في هذا الوقت تحديدا؟ أين كانت الحكومة منذ 2006؟ ولماذا كانت ترفض خلال هذه المدة الطويلة مناقشة الاقتراحات العديدة المتعلقة بتعديل النظام الانتخابي والمقدمة من عدد من النواب، والتي كانت تنشرها الصحف وكانوا يشيرون فيها صراحة ضمن أمور أخرى إلى عدم عدالة توزيع الدوائر؟ كيف تريدنا أن نصدّق أنها كانت فعلا تجهل وجود شبهة دستورية اكتشفتها الآن فجأة؟! المثل يقول "حدث العاقل بما لا يُعقل فإن صدّق فلا عقل له"!

نعم النظام الانتخابي الحالي ليس هو النظام الأمثل وفيه عيوب لا تخطئها العين، لكن القضية هي أن أي تعديل على هذا النظام يجب أن يمر عن طريق مجلس الأمة؛ لأنه لا يجوز أن تعدّله الحكومة منفردة كونها طرفاً غير محايد في العملية السياسية، ناهيكم عن أن موضوع الدوائر الانتخابية ليس من الأمور التي تتطلب "الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأجيل"، كما تنص المادة (71) من الدستور، بل إن موضوع نية الحكومة تعديل الدوائر ونظام التصويت متداول إعلاميا منذ عدة شهور.

أما قضية إحالة النظام الانتخابي الآن من قبل الحكومة إلى المحكمة الدستورية فإن في ذلك إطالة مضرّة وغير مبررة للفراغ الدستوري الذي نعانيه، خاصة أن مجلس 2009 قد سقط شعبيا وسياسيا، ومن العبث السياسي محاولة إطالة مدة بقائه بالتنفس الصناعي الحكومي.

لهذا فإن من المفترض أن يعرض موضوع تعديل النظام الانتخابي على المجلس القادم ليتخذ ما يراه من قرارات، ولا معنى هنا للتحجج بإمكانية إبطال المجلس القادم لأن حكم المحكمة الدستورية ليس بالضرورة أن يثبت عدم دستورية النظام الانتخابي، بل حتى لو أُبطل المجلس القادم بعد إقرار تعديل الدوائر، فإن ذلك أقل ضررا على تطورنا الديمقراطي من قيام الحكومة منفردة بتعديل النظام الانتخابي، كما فعلت عام 1980 بتقسيم الدوائر إلى (25) دائرة بصوتين.

قصارى القول إن القضية تتعدى موضوع تعديل توزيع الدوائر ونظام التصويت لتصل إلى العبث بالدستور، فمن الواضح أن بعض القوى المتنفذة داخل النظام وخارجه لا تزال على موقفها التاريخي العدائي من الدستور، ونظام الحكم الديمقراطي لأنه سيقلص من نفوذها غير الدستوري، ومن مصالحها الخاصة لهذا فإنها تحاول بكل ما أوتيت من وسيلة للعبث بالدستور وعرقلة تطورنا الديمقراطي باتجاه الدولة الدستورية والنظام البرلماني الكامل.

لكن الخطورة في هذه المرحلة هي التغليف القانوني لمحاولات الالتفاف على الدستور، خاصة أن القانون العام حمّال أوجه، كما يقال، ويعتمد إقراره وتطبيقه عادة على طبيعة موازين القوى، وهو الأمر الذي كان واضحا أثناء تعليق وزير العدل على حكم المحكمة الدستورية الأخير عندما قال "إن حكم المحكمة الدستورية يختلف باختلاف الظروف والمقاصد والأهداف السياسية".