أيام البشّة

نشر في 27-05-2012
آخر تحديث 27-05-2012 | 00:01
 ناصر الظفيري فن الكوميديا المنفرد أحد الفنون التي تنتشر في العالم الغربي وخصوصا في شمال أميركا، وهو فن صعب يعتمد النجاح فيه على مؤهلات يجب أن تتوافر في شخص واحد هو الذي يكتب ويرتجل نصه بعد اختيار موضوعه، وهو الذي يقوم بأدائه المسرحي مباشرة أمام الجمهور وينافس الكثيرين غيره ممن يختلفون في النص وطريقة الأداء. ما يميز العرض الكوميدي هو أنه يختار مواضيعه بحرية وربما قام بدمجها معا في عرض واحد من السياسي الى الفني أو حتى الشخصي، معتمدا على انعدام الرقابة ومساحة الحرية التي تركت لرقابته الذاتية فقط للحكم على ما يقدمه. هذا الفعل الثقافي أو الفني غائب عن الساحة العربية ليس لانعدام الكفاءة ولكن لانعدام الحرية. وباستثناء بعض العروض التي قدمت في بيروت فليس للأداء الكوميدي المنفرد وجود حقيقي.

الحاجة لهذا الأداء الكوميدي في العالم العربي سببه تراجع المسرح السياسي والذي كان يواكب الحركة السياسية والاجتماعية. فبالرغم من تدهور الخطاب السياسي وانتشار الاحباط بين أوساط الطبقة المثقفة من أداء المؤسسة البرلمانية بشقيها التشريعي والتنفيذي، وبالرغم من عتمة المشهد المستقبلي وانحسار بوادر الدولة المدنية التي عملت الحركات العربية التنويرية على التبشير بها انهار الأداء النقدي للمؤسسة البرلمانية والذي كان يقوم به المسرح السياسي وانتشر النقد التلفزيوني والصحافي المباشر للعمل السياسي والذي غالبا ما يقوم به سياسيون وليس فنانين أو مثقفين.

في الزمن الجميل واكب المسرح السياسي الحركة السياسية والتغيرات التي طرأت عليها وكان الفنان العملاق سعد الفرج سيد المسرح السياسي في الكويت بلا منازع في ثلاثيته: ممثل الشعب ودقت الساعة وحامي الديار. وجميع هذه الأعمال كانت قبل عشرين سنة أي قبل الغزو العراقي للكويت. وبالتأكيد هناك علاقة ليس للغزو كحدث ولكن لاختلاف نمط الحياة السياسية والوعي بها في الزمنين. غياب المسرح السياسي عن الحياة السياسية، وهي الأكثر شبها بالمسرح منها بالحياة السياسية التي يترقبها المواطن ويعول عليها في بناء مستقبله والحفاظ على مستقبل أولاده، ترك الساحة الفنية فارغة تماما من أهم أدوات النقد. فالمسرح بشكل عام هو المقياس الحقيقي لمعرفة وعي أي شعب من الشعوب.

ليس هذه مقارنة بين العمل المسرحي والأداء الكوميدي المنفرد فالعمل المسرحى يمتلك قدرة أكثر على التجسيد وهو ما يفتقده المؤدي الكوميدي ولكن ما يميز هذا الأخير هو قدرته على التأقلم مع المكان وبعده عن الرقابة ومواكبته للحدث اليومي وتناوله بشكل كوميدي كرد فعل مباشر وتعليق فني وثقافي سريع أكثر فعالية من التعليق الصحافي. والعمل الكوميدي المنفرد لا يحتاج الى تكاليف المسرح التي أهمها النص والجمهور وأقلها الإمكانيات المادية.

الخطوة الأولى للعمل الكوميدي المنفرد هي أن يلتقي مجموعة من أصحاب الموهبة والقدرة على أداء هذا النوع من العمل الفني ويبدأوا بتجربة الأداء الكوميدي في نطاق ضيق ومكان غير جماهيري قبل الانتقال الى تشكيل ناد كوميدي ينتمي اليه الفنانون. وبالإمكان الاستفادة من خبرات فناني الغرب أمثال جيف دانهام ورسل بيترز وكاثي جريفين وغيرهم. ربما لن ينجح هذا النوع من الأداء الكوميدي مباشرة ولن يعيدنا بصورة سريعة لشخصيات مسرحية مؤثرة كشخصية "البشّة" في حامي الديار ولكنه سيستفيد كثيرا من نماذج أعضاء مجلسنا الحالي وربما القادم أيضا.

back to top