فكرة إرسال قوات عربية إلى سورية، إن للرَّدع وإن لفك الاشتباك، لاشك في أنها رائعة وتقف وراءها نوايا طيبة لكن المشكلة تكمن في كيفية وفي إمكانية تطبيقها في ضوء هذا الواقع العربي المُبعثر، الذي يفتقر إلى عمودٍ فقري وإلى رافعة قومية وإلى دولة قائدة ورائدة إن هي أوْمأت برأسها فإن الآخرين يوافقون، وفي ضوء كل هذه التعقيدات الدولية والإقليمية التي طرأت على هذه الأزمة فجعلتها غير قابلة لأي حلٍّ إلاّ بالقوة العسكرية. حتى بعد موافقة الرئيس المصري محمد مرسي "المبدئية" على الاقتراح القطري فإن المشكلة تكمن في أن أوضاع مصر اليوم هي على غير ما كانت عليه في ستينيات القرن الماضي عندما قاد جمال عبدالناصر تكتلاً عربياً، تحت راية الجامعة العربية، حمى الكويت من "زعرنات" عبدالكريم قاسم وتهديداته وما كان من الممكن أن يحصل ما حصل لاحقاً عندما قام صدام حسين بتلك الخطوة الرعناء التي أدخلت الوضع العربي والإقليمي بما ترتب عليها من استحقاقات خطيرة لاتزال نتائجها مستمرة حتى الآن. ثم إذا كان التفكير في عمل عسكري عربي بالنسبة للأزمة السورية يستند إلى تجربة سابقة هي تجربة إرسال قوات ردع عربية إلى لبنان، فإنه لابد من التذكير بأنه لا يوجد أي وجه شبهٍ على الإطلاق بين هذه الحالة وتلك الحالة حيث كان العرب والسوفيات والغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة وقبل هؤلاء جميعاً إسرائيل متفقين سلفاً، ولكل منهم حساباته الخاصة، على إعطاء تلك المهمة للجيش السوري الذي بالنتيجة استفرد باحتلال هذا البلد أكثر من عشرين عاماً، وحيث تولَّى حافظ الأسد باتفاق غير معلن مع الإسرائيليين إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح والسياسي على الأراضي اللبنانية. إنها فكرة رائعة فعلاً ولكن المشكلة تكمن في تطبيقها، فالمستبعد بداية أن يكون هناك إجماع عربي على هذه الفكرة بغض النظر عن المقصود بها، ثم من غير المستبعد أيضاً، إذا كان الهدف هو "الرَّدع"، ألاّ تنشب حربٌ إقليمية على الفور،  فإيران التي تضع كل بيضها في السلة السورية لا يمكن أن تسكت عن تطور كهذا وعلى خطورة كهذه، وهذا ما ستفعله إسرائيل أيضاً وما سيفعله الروس وما ستفعله الألوان الطائفية في العراق، وما قد لا يقبله الأتراك ولا يشجعه الغرب الأوروبي ولا الولايات المتحدة الأميركية. وكذلك وعلى افتراض ضمان موافقة كل هذه الدول الآنفة الذكر، وهو افتراض غير واقعي بل مستحيل وغير ممكن، فإن المشكلة أيضاً، وهي مشكلة كأداء وعسيرة، هي من أي جبهة ستدخل هذه القوات العربية يا ترى، فالجبهة العراقية مغلقة، والجبهة اللبنانية مستحيلة، والجبهة الأردنية يحتاج فتحها إلى معادلة لاتزال غير مطروحة وغير متوفرة، والإنزال الجوي غير ممكن، والأتراك لا يمكن أن يوافقوا على أن تكون أراضيهم ممراً لقوات "أجنبية"، لا هي في إطار حلف شمالي الأطلسي ولا هي بمهمة من قبل الأمم المتحدة، لاحتلال دولة مجاورة... وهكذا فإن هذه الفكرة قد تكون رائعة وجميلة لكن إمكانية تطبيقها فعلياً أبعد من الأرض عن السماء.
Ad