كلما زادت الدول في انتهاكاتها لحقوق الإنسان زاد خوفها من التدويل،
وكلما تصورت الحكومات أن مفهوم السيادة يعني صلاحيتها المطلقة في التصرف بالبشر داخل حدودها دون اعتبار لأي كرامة للإنسان تعاملت بارتباك مع فكرة خروج الشأن الداخلي إلى الخارج.تلك كانت الصورة عندما صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948، ويبدو أنها مازالت تسيطر على تصور حكومات عديدة حتى يومنا هذا،اتضح ذلك من معارضة أكبر دولتين حينها؛ الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لمبدأ إنشاء لجنة حقوق إنسان، واندفعت معهما بريطانيا العظمى."كان عنوان حقوق الإنسان يثير تحفظات الدول الكبرى لأسباب أهمها الرغبة في السيطرة واحتكار النفوذ بالنسبة إلى بعضها أو الرغبة في المحافظة على المكاسب الاستعمارية بالنسبة إلى بعضها الآخر"، وزادها ارتباكا الحرب الباردة التي جعلت من قضايا حقوق الإنسان مجرد أفكار بعيدة عن الواقع، ويتم استخدامها سياسياً بشكل سافر.وعندما سقط جدار برلين أواخر الثمانينيات من القرن الماضي بدا أن هناك بداية لتحولات مهمة في العالم وبروز للأفكار الكبرى كالسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان والبيئة التي صارت جزءاً من الحراك الشعبي والأفكار الإنسانية الكونية المناقضة للفكر التسلطي التقليدي الذي يرتكز إلى القوة المجردة والهيمنة والتسلط، حتى باتت تلك الأفكار ومنظومتها الدولية رقماً صعباً في السياسة الدولية لتفرض تدريجياً بصمات أجندتها الإنسانية القائمة على التحرك السلمي والنفس الطويل، ومازالت المعركة مستمرة، ولا يبدو أن غبارها سينقشع قريباً، معركة مختلفة عن سابقاتها من المعارك، وهي معركة تتحول شيئاً فشيئاً لتصبح كونية عالمية، وكان أبرز انتصار تحقق في الطريق هو سقوط نظام "الابارثايد" العنصري في جنوب إفريقيا، ولكن إزالة العنصرية والتسلط سواء في جنوب إفريقيا أو غيرها مازالت في مراحلها الأولى، فالمعركة الكونية الآن هي بين أن تكون كرامة الإنسان مطلقة وبين أن تكون تلك الكرامة نسبية.وفي حين بدأت العديد من الدول تتجه نحو استقرار مفاهيمها الإنسانية فإن دولاً كثيرة، ومنها منطقتنا تخاف من فكرة أن يكون للإنسان كرامة، ولذلك تخشى فكرة التدويل، ومعالجة القضايا الإنسانية في المحافل الدولية، ولكنها كما يبدو معركة خاسرة كما سنبين، فالقطار قد ركب على السكة.وللحديث بقية.
أخر كلام
الخوف من التدويل
19-12-2012