الآن... دائماً الآن!

نشر في 27-11-2012
آخر تحديث 27-11-2012 | 00:01
 حمد نايف العنزي في فيلمه الرائع والمأخوذ عن قصة حقيقية The Great Debaters يقوم النجم دينزل واشنطن بأداء دور الدكتور ميلفن تولسون، الذي يدرب فريقاً من الطلبة النابغين في كلية صغيرة للسود بولاية تكساس عام 1930 للمشاركة في مسابقة المناظرات الطلابية التي ترتكز مناقشاتها على القضايا المصيرية والملحة في ذلك الوقت، وكانت المفاجأة في تغلب الكلية الصغيرة على كل الكليات التي واجهتها حتى وصلت في النهائي لتواجه جامعة هارفارد العريقة وتنتصر عليها!

المناظرة النهائية كانت عن الحقوق الإنسانية للسود في المجتمع الأميركي، وكيف أن المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص حق للجميع بغض النظر عن لون البشرة، وقد برز في المناظرة صراع بين العقل "الأناني" الذي يمثل المصلحة ويبرر الظلم ويهوِّن من القضية ويطالب بالصبر، لأن الأمور لابد أن يأتي لها يوم وتنصلح من تلقاء نفسها، في مقابل الضمير الإنساني الذي يمثل العاطفة الإنسانية والمعايير الأخلاقية التي تستدعي ألا يكون هناك تأخير أو تسويف أو مماطلة في الحقوق الإنسانية لكل شخص، وأن تُبنى المواقف على المبادئ والقيم والحقوق الإنسانية لا المصالح الفردية والفئوية التي لا تمثل سوى أصحابها على حساب الآخرين.

وكان من أجمل العبارات الواردة في المناظرة النهائية حين قال طالب هارفارد: أنا أعترف بذلك، الكثير من البيض مصابون بمرض الكراهية العرقية، وبسبب التمييز العنصري سيكون من المستحيل أن يكون زنجياً سعيداً في جامعة جنوبية اليوم، الوقت سيأتي حين سيمشي البيض والسود في نفس الجامعة وسنتشارك نفس الصفوف... للأسف هذا اليوم ليس اليوم! فجاءه الرد صاعقاً من خصمه الأسود:  تقول إن اليوم ليس اليوم ليتشاركوا نفس الجامعة، هلا أخبرتني من فضلك متى سيأتي هذا اليوم؟ هل هو غداً أم الأسبوع المقبل أم بعد مئة سنة، أم لن يأتي أبداً؟ لا... وقت العدالة، ووقت الحرية، ووقت المساواة هو دائماً... دائماً الآن"!

إذن... لا انتظار في تحقيق العدالة بين الناس في الحقوق ليوم أو ساعة أو دقيقة، بل الآن والآن دائماً، هذا هو الحق والعدل والإنصاف، لا يعترض عليه الا إنسان بلا مبادئ أو إنسان ذو مصلحة، أو الاثنان معاً!

وقد كنت أشاهد جدلاً دائراً على أحد البرامج التلفزيونية حول مرسوم الضرورة الذي أصدره سمو الأمير اجتهاداً منه ورغبة في تقليل الأضرار والمفاسد التي أصابت البلد طوال السنوات الست الماضية والتي تمت فيها الانتخابات على نظام "الدوائر الخمس والأصوات الأربعة" وأثبتت فشلها في المخرجات الطائفية والقبلية والفئوية، وكان المتجادلان بين قائل بوجود ضرورة وقائل بانتفائها، وقد قام كل منهما بأخذ ما يشتهي من "بوفيه" الفتاوى الدستورية التي تسند رأيه، وراحا جاهديَّن يحاولان تطويع النصوص الدستورية لمصلحة كل منهما، والاثنان ذوا مصلحة انتخابية بين مشارك ومقاطع، ومن الصعب أن يقنعك صاحب مصلحة مهما كانت حججه وبراهينه الدستورية!

الواقع أنني حسمت رأيي منذ زمن في هذه القضية متبعاً ضميري ومبادئي قبل أي اعتبار آخر، وقد وجدت من الصعب عليّ "أخلاقياً" تأييد طرف يسعى لاستمرار نظام جائر للانتخاب لم نجنِ منه سوى المرّ والحنضل وتم فيه تهميش فئات من المجتمع وسيادة فئات أخرى دون حق أو ذرة من العدل والإنصاف بدعوى الخوف من أن تستمرئ الحكومة "مستقبلاً" إصدار المراسيم لتتفرد بالسلطة، أي القبول بشر موجود تجنباً لشر محتمل، وكان من الصعب أن أساير القوم مطالباً بعودة نظام "الأصوات الأربعة" ليقرر أصحابه بأنفسهم استمرار الظلم لأربع سنوات قادمة... على الأقل!

لا أيها السادة، فكما جاء على لسان أحد أبطال الفيلم: "وقت العدالة، وقت الحرية، ووقت المساواة هو دائماً... دائما الآن"، ولذلك، في نظري، مرسوم الصوت الواحد كان ضرورة مستحقة ملحة بعيداً عن المصالح الانتخابية والتفاسير الدستورية، فالضمير والأخلاق والحق والإنصاف هي التي أعطته صفة الضرورة، وفي ذلك كفاية... لي على الأقل!

back to top