يتساءل البعض بحسن نية عن سبب معارضة أن تقوم الحكومة منفردة بتقليص عدد الأصوات الانتخابية، الأمر الذي قد يبدو للوهلة الأولى أنه أفضل من نظام التصويت الحالي؟

Ad

والجواب ببساطة، هو أن القضية ليست معارضة تغيير عدد الأصوات سواء بالزيادة أو النقصان، فهذه مسألة تفصيلية من الممكن مناقشتها والاتفاق عليها لاحقاً... لكن القضية، كما سبق أن ذكرنا، هي أن تعديل النظام الانتخابي يجب أن يكون عن طريق مجلس الأمة الذي له الحق دستورياً في اعتماد نظام الصوت أو الصوتين أو الأربعة أو العشرة أو حتى تغيير النظام الانتخابي برمته؛ لأن السماح للحكومة منفردة بتعديل النظام الانتخابي، علاوة على أنه غير دستوري، سيمكنها من التحكم بنتائج الانتخابات البرلمانية أو ما يسمى باللغة الإنكليزية (Gerrymandering) لأن الحكومة، أي حكومة، تعتبر طرفاً غير محايد في العملية السياسية، وهو الأمر الذي أكده حكم المحكمة الدستورية عندما ترك موضوع تعديل النظام الانتخابي للمشرّع، أي مجلس الأمة، وهو ما فعلته أيضاً المحكمة الدستورية الألمانية عندما حكمت بعدم دستورية نظامها الانتخابي وتركت أمر تعديله للبرلمان.

وبالطبع فإنه باستطاعة الحكومة، بل من واجبها، أن تقدم للمجلس القادم حزمة إصلاحات سياسية في مقدمتها إصلاح النظام الانتخابي، وعندئذ قد تجد كثيرين سيقفون في صفها، خصوصاً إذا كان ما ستقدمه مقنعاً، فالقضية ليست معارضة من أجل المعارضة، بل هي معارضة يحكمها مصلحة الوطن وحق الأمة في المشاركة الحقيقية في تقرير مستقبلها.

المطالبة بوقف العبث بالنظام الانتخابي ليست المطلب الوحيد للحراك الشعبي من أجل تحقيق الإصلاحات السياسية والدستورية، لكن نظراً للأهمية القصوى لما سيترتب على تغيير الدوائر أو آلية التصويت من نتائج سياسية، فإنها تعتبر الآن محور الحراك الشعبي المتنامي الذي لن يؤثر فيه استخدام التهم المعلبة والمستهلكة التي استخدمتها الأنظمة العربية المخلوعة بغية تضليل الناس وتخويفهم من المطالب الشعبية مثل "شباب مغرر بهم"، و"إخوان مسلمين"، و"شوية عيال بلطجية"، و"غوغائية وأعمال شغب"، و"أجندة خارجية" وغيرها، إذ إن هذه التهم المتهافتة لن تجدي نفعاً في وقف المطالب الشعبية المستحقة لأنها لم تعد تنطلي على الناس الذين أصبحوا على درجة عالية من الوعي بحقوقهم المشروعة؛ مما يجعلهم قادرين على تمييز مصالحهم المشتركة ومطالبهم المستحقة أكثر مما تتصور الحكومة أو القوى الفاسدة التي تدفعها للعبث بالنظام الانتخابي من أجل المحافظة على نفوذها، ونهبها للمال العام، وحماية مصالحها غير المشروعة.

وفي هذا السياق فإن الجميع بات يعرف أن استخدام " فزاعة" الإخوان المسلمين، وهي الموضة الدارجة هذه الأيام في دول الخليج، لم تنفع من قبل الأنظمة العربية التي تهاوت في تونس ومصر وليبيا واليمن والآن سورية، كما أن الخلاف الفكري والسياسي مع "الإخوان المسلمين" لا يبرر من الناحية الأخلاقية طلب إقصائهم من الساحة السياسية أو تأليب السلطات الحاكمة عليهم، وتبرير قمعهم، وتقييد حرياتهم تحت حجج مستهلكة مثل "سعيهم إلى تقويض أنظمة الحكم"، كما يفعل البعض هذه الأيام، إذ يظل "الإخوان المسلمين"، مع اختلافنا الفكري والسياسي معهم، فصيلا سياسيا حاله كحال أي فصيل سياسي آخر طالما التزم مثل غيره بالدستور والقوانين العامة والقواعد المنظمة للعملية السياسية.