قليلاً من التواضع!
قال الرئيس السوري بشار الأسد في حديث لقناة "روسيا اليوم": "إن سورية هي المعقل الأخير للعلمانية والتعايش في المنطقة، ولذلك فإن تكلفة أي غزو أجنبي لها سيكون له أثر "الدومينو" في العالم من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، وسيكون تأثير تداعيات ذلك على باقي أنحاء العالم، وأنا لا أعتقد أن الغرب يمضي في هذا الاتجاه، لكن إذا فعلوا فإنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيحدث بعد ذلك!".وأضاف في ما يبدو أنه رد على ما يسمعه وما يُنقل إليه: "أنا لست دمية ولم يصنعني الغرب كي أذهب إلى الغرب أو إلى أي بلد آخر. أنا سوري، أنا مَنْ صَنَعَ سورية، وعليَّ أن أعيش وأموت في سورية"، والمعروف أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون كان قد أبدى استعداداً في بداية جولته الشرق أوسطية الأخيرة لتأمين خروج آمن للرئيس بشار الأسد "لتسهيل المرحلة الانتقالية في سورية".
وبالنسبة إلى مسألة أنه، أي بشار الأسد، هو الذي صَنَعَ سورية فإن هناك طرفة "نكتة" تقول إن وزيراً سورياً سابقاً للتموين، ينتمي إلى قرى حوران المعروفة بأنها منطقة فلاحية، قد وقع في حبِّ فتاة من منطقة القصاع الراقية في دمشق كانت في مرحلة الدراسة الثانوية، وبعد أن أرهقه "الهوى" من طرف واحد وعن بُعد، قرر أن يذهب إلى أهل هذه الفتاة بنفسه ومنفرداً ليخطبها. وهناك وفي منزل أهل هذه الفتاة الذين فوجئوا بزيارته إليهم طلب أن يلتقي فتاة أحلامه وجهاً لوجه. وعندما جلست أمامه قال لها بعد نحنحات متتالية: "أنا خلقت نفسي بنفسي. لقد جئت من قرية فلاحية فقيرة فأصبحت وزيراً. لقد خلقت نفسي بنفسي". ضحكت الفتاة ضحكة طفولية مدوية، وقالت وهي تغادر المكان دون أن تلتفت وراءها: "مِنْ هيك أنا عندما شِفْتك قِلْت هالخلقة مُش خلقة الله".لقد خُلقت سورية منذ أن بدأت الخليقة، وقد صنعتها أُمم متلاحقة آخرها العرب والمسلمون. وكان للأمويين وأولهم معاوية بن أبي سفيان الدور الرئيسي في أن تصبح مركز عالم تلك المرحلة المتقدمة من التاريخ، أما سورية الحديثة فلم يصنعها بشار الأسد ولا أبوه حافظ الأسد ولا حزب البعث أيضاً. لقد صنعها أولئك الطلائعيون الأوائل من شكري القوتلي إلى إبراهيم هنانو ومحمد إبراهيم العلي ومعروف الدواليبي ورشيد الكيخيا وخالد العظم ومحمد الفاضل وجاك الحكيم وفارس الخوري، وقد صنعها يوسف العظمة الذي روى بدمه أرض ميسلون كعنوان لأن هذا التراب يرفض الدخلاء والمحتلين والطارئين على المسيرة الحضارية لبلد كان منبع ومنبت الحضارة.أما أن يهدد بشار الأسد بأن أي غزو أجنبي سيكون له أثر "الدومينو" في المنطقة، وأنه لا يعتقد أن الغرب سيمضي في هذا الاتجاه، فإن هذا تأكيد وإثبات على أن حكاية "الإرهاب" والمنظمات المتطرفة التي جاءت من الخارج لتدمر سورية ولتنتشر في المنطقة هي من صنعه وأن الهدف هو تخويف الغرب وإسرائيل من أن بديله سيكون كالوضع في أفغانستان والعراق، وحقيقة إن هذه لعبة مكشوفة ولا يمكن أن تمر على أحد... وقليلاً من التواضع!