ماذا لو تطرف السوريون؟
سؤال افتراضي لا يعكس الحقيقة التاريخية للشعب السوري، ولا يحمل الإساءة إليه ولا إلى نموذجيته في الوسطية والتعايش والانتماء، ولا يقلل من عزيمة الثوار لأنهم أكبر من السؤال والافتراض، لكنها صرخة ألم من بلادة الضمير العالمي تجاه ثورة كل ذنبها أنها عشقت الحرية وطالبت بحقها في الحياة.عام ونيف والثورة السورية تشق طريقها وسط الدمار والدماء دون فتور أو كلل، وتدفع بقوافل الشهداء يومياً ثمناً لحريتها وكرامتها ودونما مساندة دولية حقيقية رغم اعتراف الأمم المتحدة بأن جرائم النظام السوري ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية، والمحصلة كلام بكلام معسول في وصف الثورة وأبطالها، وكأن حرية السوريين باتت مقلقة لدرجة أنها أضحت عبئاً ثقيلاً على المجتمع الدولي مما يستوجب تمييعها، بل تقليص حمولتها إلى الحد الأدنى من خلال شيكات بدون رصيد تصدر يومياً من كل الاتجاهات؛ مما سيساهم حسب اعتقاده في تمرير حالة من الإحباط لدى السوريين من الدعم الدولي، وهذا سيضعف إرادتهم أمام آلة القتل والإبادة الأسدية شيئاً فشيئاً، فيدفعهم بالضرورة للقبول بالمشاريع المعروضة عليهم والتي لا تلبي الطموح، بهذا تتم التسوية بأنصاف الحلول ضماناً لأمن المنطقة واستقرارها!
عندما يكون البأس بهذه الشدة لانتزاع الحرية، فكم ستكون وتيرته لتحرير الأرض؟ هذا السؤال ومسألة الأمن جعلا إسرائيل طرفاً أساسياً في الصراع، إضافة إلى نظيرتها إيران وباتا الداعمين المهمين للنظام السوري، وأضحت كلمة إسرائيل هي العليا بالنسبة إلى الغرب لضرورة أمنها المرتبط حتماً بأمن جبهة الجولان الساكنة منذ أربعة عقود، وهذا يحتم معرفة خيط البديل أو على الأقل ضمان عدم الانفلات من خلال التسويات. وقد فعلت زيارة باراك ونتنياهو الأخيرة إلى أميركا فعل السحر في تهدئة التصريحات الأميركية والدولية وتدنيها لدرجة مطلب الإغاثة فقط، آخذين في الاعتبار أن انكسار الهلال الشيعي بالمنطقة بعد سقوط النظام السوري رغم أهميته الجزئية بوقف الإمدادات لـ"حزب الله" ولكنه بالكلية غير استراتيجي لأنه سيقلص حدة النفوذ الإيراني بالمنطقة مما سيقلص بالضرورة معه حدة التمذهب الديني.وعندها تسقط الفزاعة وتتضاءل حظوظ الخطر الشيعي كخطر أول ووحيد للمنطقة، ناهيك عن أن هذه التهدئة يفهمها النظام جيداً بأنها رخصة إضافية للتغول أكثر لكسر حدة الثورة تمهيداً للتسويات المقبلة التي ستأخذ بالضرورة أمن إسرائيل في الاعتبار، وخطة أنان تأتي ضمن هذا السياق رغم الحجج المختلفة والمؤتمرات الداعمة للثورة.بعد السلبية واللامبالاة الدوليتين تجاه الثورة السورية اللتين أدتا إلى المساهمة بكل هذا الدمار، يرى السوريون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الموت وإما نيل الحرية تحت سقف الوطن... أي لا حوار ولا تعايش مع النظام إلا على أساس الرحيل، وما صمودهم وتضحياتهم إلا لتأكيد هذا المطلب، وأي خيار آخر منقوص الاحترام يعتبر بمنزلة دعوى للتطرف وإنهاء الاعتدال والانخراط بمجال لا يخدم التكتيك ولا الاستراتيجيا، لأن الإحباط مهلك وأهم عامل للجنوح والغلوّ.ولا أظن أن المجتمع الدولي سيحتمل هذا الخيار لكلفته الباهظة وعليه تحمل مسؤولياته الأممية والأخلاقية تجاه الثورة... فالاستبداد اعتمد طويلا كضامن للمصالح والاستقرار؛ فكان التطرف؛ وكانت "القاعدة"؛ وكان الإرهاب... فهل تعتمد الحرية مرة كضامنة للأمن والحياة معاً؟... نأمل ذلك.