ذهب فرعون الدولة العسكرية، وجاء فرعون الدولة الدينية... لكنه فرعون من نوع آخر، فرعون مطيع لولي أمره المرشد... تتناسى الجماعة المنتشية بالنصر أنهم مدينون للقوى المدنية، التي عصرت الليمون فوق الرؤوس وصوتت لهم، ليس حباً فيهم بل كرهاً في النظام السابق... ذكرت في مقال سابق، بعد انتخابات الرئاسة في مصر، أننا لن نقول مبروك لأحفاد البنا قبل أن ننتظر لنحكم على التجربة أو نبارك... فممارساتهم الاستحواذية التي لعبت دور الغلبة على المشاركة، وانتهازيتهم منذ سقوط النظام السابق، كانت تدل على أنهم مقدمون على إحلال الدكتاتورية الدينية محل الدكتاتورية العسكرية... هكذا هي الانتهازية تريد الثمار التي اختطفتها من أصحابها كلها لها، بعد أن كانت تستجدي دعمهم وتبدي لهم كل أنواع التزلف والتملق والوعود، لكن لم أكن أتوقع هذا السقوط المدوي خلال خمسة أشهر فقط من تسلم الحكم لتتعرى انتهازيتهم وتتكشف فاشيتهم بهذه السرعة في انقضاضهم على السلطات والمؤسسات.

Ad

العجيب أن من يطالب بالحريات السياسية في الكويت بكل عنفوان وجموح، يقف بازدواجية فاقعة مع ممارسات مرسي، وتفرده بالقرار، واستحواذه على كل السلطات... والغريب أن يتحدث الكاتب مبارك الدويلة بكل ثقة وحماس عن "الوجه القبيح لليبراليين ومدعي الديمقراطية في الكويت... فهم يريدون بالقوة والبلطجة أن يقيلوا ويطردوا رئيساً منتخباً انتخاباً حراً مباشراً من عموم المصريين".

ربما يغيب عن الأستاذ الدويلة أنه لا شرعية لدستور دون التوافق الوطني لكل فئات المجتمع، فشرعيته لا تكتسب بمجرد فوز الأغلبية (إن وجدت)، لأن الديمقراطية لا تعني أبداً سحق الأغلبية للأقليات (رغم أعدادهم المهولة)، كما يعتقد السلطويون الذين يريدون تفصيل الدستور حسب مقاس ثوبهم السلطوي. فدستور لا تحمي نصوصه الحقوق الطبيعية لكل فئات المجتمع هو دستور فاقد للشرعية، لأنه لا يقوم على أساس العقد الاجتماعي، الذي بدلوه بدستور مغتصب يسلق سلقاً ليمرر بالقهر والبطش، بدلاً من أن يأخذ وقته في الحوار والمناقشة، ضاربين بعرض الحائط الرفض الشعبي العارم للقوى المدنية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني التي اعترضت على "الإعلانات الدستورية" الدكتاتورية، لتتصاعد الاحتجاجات ويتفاقم الانقسام، لاسيما بعد انسحاب ممثلي التيارات السياسية المدنية، وسيطرة تيار واحد على صياغة شكل الدستور... ورغم إلغاء الإعلان الدستوري فإن الاحتجاجات لاتزال تتصاعد، والشارع لايزال يغلي، لأن الحكم السلطوي يصر على الدعوة للاستفتاء والمضي قدماً نحو تنفيذ مشروعه الفاشي، رغم دعاوى الطعن في تشكيل الجمعية التأسيسية التي لم تنتظر السلطة قرار حكم القضاء فيها، فما بني على باطل فهو باطل، حسب رأي بعض الخبراء الدستوريين. لكن كيف ستقوم المحكمة الدستورية بمهمتها وسط حصار ميليشيات الجماعة للمحكمة الدستورية، وممارساتها الترهيبية بمنع دخول القضاة اليها؟

ها هو الإسلام السياسي يتجلى في التفرد بالقرار واغتصاب السلطات، وفرضه دستوراً يصاغ من قبل تيار طائفي واحد، متسلطاً على حرية الفرد واستقلال القضاء وحرية الصحافة والنقابات.

يحول الفاشيون المعركة إلى معركة من أجل الإسلام والشريعة ضد أعدائها، ولا عجب فهم لم يفتأوا يستخدمون الدين مطية رغم تورط ميليشياتهم في الجرائم، واستخدام كل وسائل التعذيب والبلطجة بشهادات المعتدى عليهم، الذين ظهروا في القنوات الفضائية وقد بانت عليهم كل ألوان الضرب، لتراق الدماء في اقتتال الشوارع باسم الدين والشرعية المشوهة.

باختصار... شعار الثورة "الحرية... العدالة... الكرامة الإنسانية" لا يشكل للجماعة الحاكمة إلا أمواجا ركبوا على ظهرها... لترمى على شواطئ الخذلان والجحود والإنكار.