تقرير اقتصادي: تعاظم الأزمة السياسية يبدد الوعود بالإصلاح الاقتصادي
نعيش حالة عدم يقين... وحذار من استخدام الأموال لشراء الولاءات
نعيش في ظل أوضاع اقتصادية أقل ما يقال عنها إنها حالة عدم يقين تتمثل في تأرجح أسعار النفط ما بين صعود وهبوط، مصحوباً بارتفاع الإنفاق الحكومي الاستهلاكي في الموازنة التي ناهزت 22 مليار دينار، ومن ثم فإن الدخول في أزمة سياسية خانقة، لا نعرف نهايتها، سيفضي، في أفضل الأحوال، إلى حالة جمود اقتصادي.
تصاعدت الأزمة السياسية في الكويت خلال الأيام القليلة الماضية بشكل سريع على خلفية صدور مرسوم بتقليص عدد الأصوات في الانتخابات المقبلة، مما ينذر بدخول البلاد في نفق مجهول لمدة طويلة، يتعذر فيه السير بأي من وعود الإصلاح الاقتصادي التي شددت حكومة سمو الشيخ جابر المبارك على تبنيها منذ بداية توليه رئاسة الوزراء.ولعل الأزمات السياسية تعتبر العدو الأول لأي بيئة إصلاح اقتصادي أو إداري، فلا قيمة للحديث اليوم عن اصلاح الخدمات العامة او الميزانية او اطلاق المشاريع في ظل ازمة سياسية كبيرة لم تعرف الكويت مثلها منذ 22 عاما، فالتوافق أساس لأي اصلاح يمكن ان ينطلق، خصوصا مع التحديات التي تواجه الاقتصاد الكويتي على المديين القصير والمتوسط.
عدم يقينفنحن نعيش في ظل أوضاع اقتصادية أقل ما يقال عنها إنها حالة عدم يقين تتمثل في تأرجح أسعار النفط ما بين صعود وهبوط، مصحوباً بارتفاع الإنفاق الحكومي الاستهلاكي في الموازنة التي ناهزت 22 مليار دينار، ومن ثم فإن الدخول في أزمة سياسية خانقة لا نعرف نهايتها سيفضي في افضل الأحوال الى حالة جمود اقتصادي، خصوصا في ما يتعلق بمشاريع البنية التحتية ورفع نسبة الإنفاق الاستثماري مقابل الاستهلاكي في الموازنة.وضعنا الحالي وهنا قد يتساءل البعض: ألسنا أصلا نعيش حالة من الجمود الاقتصادي وضعفاً في القطاعات الخدمية الرئيسية سواء تطورت الأزمة ام لم تتطور؟الجواب: نعم نعيش منذ مدة أزمة سياسية إلا ان حكومة الشيخ جابر المبارك ظهرت فيها توجهات اصلاحية شبابية من الفريق الاقتصادي (وقد خسرت الحكومة كفاءة بمستوى وزير التجارة أنس الصالح الذي استقال احتجاجاً على صدور مرسوم الضرورة بتقليص عدد الأصوات)، وقد كان لهذا الفريق رؤية تنفيذية لحل العديد من القضايا العالقة في الاقتصاد الكويتي بما فيها القضايا التي ناقشتها اللجنة الاستشارية الوزارية لوضع حلول لمشكلات الاقتصاد الكويتي.الاهم هنا ان الدخول في أزمة سياسية - مثل اي دولة بالعالم - سيجعل صانع القرار مشغولا في مواجهتها سياسيا، او في اسوأ الاحوال أمنيا، وهنا لن يكون للاقتصاد او الادارة اي اهتمام، ولنا ان نتخيل كيف سيكون الحال اذا استمرت الأزمة السياسية الحالية وسط الانقسام المجتمعي الحالي في ظل تراجع حاد في الخدمات يتعلق مثلا بأزمة قبول جامعي تواجه الدولة سنوياً حتى عام 2020، وهو موعد إنجاز جامعة الشدادية، ولا تقل عن 3 – 5 آلاف طالب مستوف للشروط، ولكن ليس لديهم مقاعد في الجامعة، بالضبط كما حدث العامين الماضيين عندما تعثرت الجامعة في قبول 3 آلاف طالب في كل منهما.وقد ندخل في ازمة تتعاظم يوما تلو الآخر تتعلق بالرعاية السكنية التي تقف اليوم متعثرة عند 95 ألف طلب سترتفع بحلول عام 2016 إلى 128 ألفاً، أما في حال تنفيذ مشروعي مدينتي الخيران والمطلاع فإن رقم الطلبات غير المحققة سيتراجع إلى 96.3 ألف طلب، بمعنى أن الدولة حتى إن نفذت خلال 7 سنوات 35 ألف وحدة سكنية -وهو رقم قياسي مقارنة بإنجازات الدولة- فإنها ستضيف إلى قائمة الانتظار نحو 1300 طلب إسكاني جديد مقارنة بهذا العام، فضلاً عن تقرير صندوق النقد الدولي الذي يحذر من دخول الكويت دائرة العجز المالي بحلول عام 2017.بيئة الإصلاحما يجب قوله هنا أن بيئة الإصلاح الاقتصادي لا تتحقق إلا في التوافق السياسي، لكنها يمكن -أي الازمات- أن تكون بيئة لتخريب الاقتصاد، فما يتداول في الإعلام ووسائل الاتصال عن عطايا ومنح وقروض ميسرة مالية للمواطنين، وهو نهج يحدث في أكثر من مرة من الحكومة، لشراء الولاءات السياسية للمواطنين كلما دخلت في ازمة.فاستخدام الأموال للخروج من الازمة السياسية لا يخرج عن كونه حلاً مؤقتاً، هو في الأصل تخريب لهيكل الاقتصاد واسلوب مكرر يناقض كل التصريحات الحكومية بشأن خفض الانفاق، إلا أن السياسة بكل الاحوال ستسود -كما تعودنا دائما- على حساب أبجديات الإصلاح الاقتصادي.الاقتصاد الكويتي لايزال يقف على أرضية صلبة من حيث العوائد والفوائض المالية، الا انه في المقابل يعاني تباطؤاً لافتاً في تقديم الخدمات واختلال إعداد الميزانية، فضلا عن محدودية تنوع الاقتصاد، ومن ثم فإن الأزمة ستنزف من عوامل الدعم -خصوصا إذا استخدم بعضها للترضيات السياسية- وتزيد من عمق ازمة عوامل الضعف... وكلما تعمقت الأزمة السياسية كان الأثر أسوأ على الاقتصاد.