"الخلاص بالقراءة" هو بيان نُشر في الجريدة الرسمية البرازيلية، يُظهر عزم الحكومة البرازيلية على تخفيف العبء عن السجون المكتظة بالنزلاء، من خلال خصم أربعة أيام من العقوبة لأي سجين في حالة مطالعته لكتاب في كلاسيكيات الأدب والعلوم والفلسفة، بشرط كتابة مقالٍ واضح عن الكتاب، يكون خالياً من الأخطاء، ومستخدماً لأفكار وفقرات وردت في الكتاب.

Ad

إن إدخال فكرة القراءة كمنقذ للإنسان هو ما يلفت النظر إلى الخبر، فالتركيز يجب ألا ينصرف إلى مدة الإعفاء، بقدر ما يلزم التركيز على أن السجين وطوال انغماسه في القراءة وتدوين الأفكار، يكون بعيداً تماماً عن عالم السجن والسجناء، متوحداً وساعياً إلى محاولة تنقية عوالمه الداخلية، عبر قراءة أفكار وقصص تنتقل به من ضيق المكان ومعاناته، إلى فسحة العالم ورحابته خارج أسوار السجن. فالبرنامج يطمح في الأساس إلى خلاص الروح، وتالياً خلاص الجسد بعتقه من السجن. وبما يجدد الإيمان والقناعة في قدرة القراءة على غسل درن ووجع الروح، وملء الوقت الصعب وصبغه بمادة ملوّنة، وأخيراً مساعدة الإنسان على العبور من ضيق اللحظة إلى فرج الحياة.

تزامن مع الخبر أعلاه، نشر تحقيق لجريدة "القبس" الكويتية يوم الأربعاء الموافق 27 يونيو، لناشرين عرب وكويتيين يتناول تأثير الكتاب والقراءة في مجريات الثورات العربية الدائرة. وقد أظهر التحقيق أن الثورات العربية التي انطلقت عام 2011، في أكثر من قطر عربي، لم تتخذ من أي كتاب أو نظرية مصدراً ملهماً لها، ولم تقم على أكتاف أحزاب منظمة تتخذ من نظريات ثورية منطلقاً لتحركها، بل هي ثورات شعبية رفعت شعار السلم والحرية والكرامة، واعتمدت في تحركها على عنصر الشباب المشتغل بشبكات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، كما أن قدرة وسائل الإعلام المرئي، وتحديداً القنوات الفضائية الإخبارية، على متابعة الحدث الدائر لحظة بلحظة والتأثير في وعي جماهير المشاهدين، كل هذا مجتمعاً جعل الكتاب يتوارى بعيداً من مشهد الثورات العربية، بل وصل الأمر إلى إغلاق بعض دور النشر العربية، وانعطاف دور نشر أخرى إلى نوعيات جديدة من الكتب.

إن واقع الكتاب العربي المؤلم وعلاقته بجماهير الشعوب العربية، يجب أن يكون مجالاً للبحث والتأمل من قبل الدوائر الرسمية والأهلية، لإعادة صياغة علاقة الإنسان العربي والكتاب، فلا يمكن لهذه العلاقة أن تستقيم إلا ببذر فكرة القراءة والمعرفة لدى الأطفال في سن متقدمة، واستحداث أشكال جديدة من علاقة الطفل العربي بالكتاب، وكذلك تشجيع القراءة عند الناشئة، وأخيراً تقدير وتكريم الكتّاب المبدعين، كي يشكّلوا قدوة وحافزاً للكاتب الشاب.

الخبر الثالث الذي استوقفني هو ما بثّته وكالات الأنباء العالمية، حول رفض الكاتب الأميركي ريتشارد روسو (Richard Russo) المولود في نيويورك عام 1949، والحائز جائزة "بوليتزر-Pulitzer Prize for Fiction" للآداب عام 2002 عن روايته "الإمبراطورية تسقط" رفضه نشر روايته الجديدة على صيغة كتاب إلكتروني، وذلك إيماناً منه بأن الكتاب الورقي هو الصديق الأقرب للإنسان، وإن علاقة الإنسان بالكتاب الورقي أقوى وأبقى من علاقته بالكتاب الإلكتروني، وبما يُعد موقفاً لافتاً لكاتب عالمي.

لقد تغيّرت علاقة الإنسان بما حوله يوم عرف الحرف والكلمة المطبوعة والكتاب، فالقراءة هي الضوء الساطع الذي يمكن للإنسان أن يتبين من خلاله عثرات الطريق، وهي المادة الأهم التي تساعده على فهم ما يحيط به من بشر وحجر. لذا فليس غريباً أن تكون عوناً له على الحرية، وليس بعيداً أن تتوارى قليلاً حين يصبغ الدم أرصفة الشوارع والقلوب، وليس جديداً أن يؤكد كاتب عالمي علاقته بالكتاب الورقي والقراءة.