ندرك تماما أن كتلة الأغلبية في صميمها ليست كيانا متجانسا، وأنها في الواقع تجمع نوابا من مشارب متعددة، يحملون قناعات ورؤى وتوجهات مختلفة ومتباينة، ونتقبل ذلك لأننا نؤمن بأن عدم التجانس هذا لن يكون مشكلة كبيرة إن عرفت الأغلبية كيف تتعامل معه وكيف تستجيب لمتطلباته.

Ad

لهذا فمن الواجب على نواب كتلة الأغلبية ألا ينسوا ولو للحظة واحدة أنهم لم يجتمعوا في هذا الكيان إلا تجاوبا مع تطلعات الحراك الشبابي الذي كان هو محرك المسيرة السياسية السابقة، تلك المسيرة التي تكللت بإزاحة رئيس الحكومة السابق عن سدة الرئاسة، وأن ذلك الحراك بدوره لم يكن ليكون لولا استشعار الشباب وتوافقهم على وجود حالة كبيرة من العجز والفساد، قدَّروا أن علاجها كان يتطلب، أولا، رحيل رئيس الحكومة السابق، باعتباره مسؤولا رئيسا عن تلك الحالة، ومن ثم المباشرة بإدارة العمل السياسي، حكوميا ونيابيا، بنهج جديد يختلف عما كان في السابق.

من ناحية الحكومة، وحتى هذه اللحظة، ومن بعد أشهر عدة من تشكيلها، لا يظهر مطلقا أن الحكومة قد قدمت نهجا يختلف بشكل مقنع عما كان في السابق، وأنا أتكلم هنا على مستوى الإنجازات، فهذا ما يهمني في المقام الأول كمواطن. وهذا الأمر لم يشكل في الحقيقة مفاجأة لكثيرين، وأنا منهم، وقد كتبت عن هذا منذ الأيام الأولى لهذه الحكومة، والسبب في ذلك أن الأمور تعرف بمقدماتها حيث لم تخرج آلية تشكيلها واختيار أسماء وزرائها عن الأسلوب والنهج المعيب السابق.

لكن المزعج حقا، في المقابل، أن كتلة الأغلبية، وهي التي كان يعول عليها الحراك الشبابي، وعموم الناس، بأن تقدم شيئا مختلفا يرتقي بالمرحلة الحالية نحو تلبية الطموحات الإصلاحية والتنموية، لم تقدم أي شيء يذكر أيضا، بل إن المتابع لأداء هذه الكتلة طوال الفترة السابقة سيجد أن أوضح ما خرج من رحمها هو عدم الانسجام، ولا أريد أن أقول الاختلاف.

غابت الرؤية المشتركة والخطة الواحدة والمشروع المشترك، وطغى الهاجس والهم الفردي، لأسباب متنوعة، ولست هنا في مقام التشكيك أو التشنيع على أحد بعينه من نواب هذه الكتلة، فليس هذا بمفيد أبدا، بقدر ما أني أود القول إن تلك الاجتهادات الفردية البعيدة عن التنسيق لم تزد كتلة الأغلبية إلا تفككا وضعفا، في حين أن أكثر ما تحتاجه الكتلة ويحتاجه جمهورها الآن هو نجاحها في إطلاق وتحريك مشاريع إصلاحية وتنموية حقيقية متفق عليها.

من الطبيعي، يا سادتي، أن يكون لأفراد الكتلة أولويات متباينة ووجهات نظر مختلفة حيال القضايا المختلفة، فهم ليسوا من نسيج واحد كما قلنا، لكن المحك الحقيقي هو كيف يدار هذا التباين والاختلاف؟ وكيف يعبَّر عنه إعلاميا؟ وكيف يصل للجمهور بشكل إيجابي، وهو ما لم يدار بشكل سليم طوال الفترة الماضية؟ وخطورة الأمر هنا، وأعني الأسلوب الخاطئ في إظهار هذه التباينات والاختلافات ما بين أعضاء كتلة الأغلبية، أنه لا يؤدي إلى إضعاف الكتلة نفسها فحسب، إنما إلى خلق حالة من التوتر والتفكك في أوساط الجمهور أيضا، حيث لكل نائب مؤيدوه ومشجعوه ممن سيقفون معه بطبيعة الحال، لنجد أن حالة الاختلاف والخلاف قد انتلقت إلى الشارع أيضا، وهو ما لا نتمناه.

المسألة برمتها تحتاج من كتلة الأغلبية أولا أن تدرك وبعمق أهميتها، وبحاجة من بعد ذلك إلى إدارة ناجحة لملفها، حتى يمكن لها أن تلبي طموحات الجمهور المتعطش للإنجازات على يد هذه الكتلة، وألا تتغاضى، في ذات الوقت، عن الحاجات الفردية المشروعة لكل نواب كتلة الأغلبية لشيء من النجومية والظهور الإعلامي ولتقديم مشاريع وإنجازات ينسب فضلها لهم، كي تخدمهم انتخابيا وتعزز من صورتهم لدى ناخبيهم المباشرين.

هذه كانت رسالة أحببت توجيهها إلى كتلة الأغلبية، التي مازلنا نأمل أن تستطيع أن تجمع أمرها وأن ترتب أوراقها، فتتحرك في مسار محدد وفق خطة مرسومة وأن تلعب كفريق واحد.