الأغلبية الصامتة: درب الزلق... تراثنا
ما دعاني للحديث عن «درب الزلق» هو رغبتي في إطلاق مناشدة أدعو فيها إلى تكريم استثنائي لعمل فني كوميدي استثنائي، ولكل الذين عملوا على إخراجه للنور فرداً فرداً، تكريم على أعلى المستويات، فمثل هذا العمل الفاخر أصبح قطعة من التراث الكويتي، وبسمة تحدت كل غيوم التجهم التي خيمت على سماء الكويت.
قبل أن تحين ساعة النوم ليلة الأربعاء الماضي، أغوتني فكرة "هاشتاق" فاعتقدت في لحظتها أنها لن تعمر سوى ساعة واحدة في "تويتر"، "الهاشتاق" أو الوسم كان مسلسل "درب الزلق"، في البداية انتخبت أهم زهيريات "بوصالح" والأغاني والقصائد التي رددها أبطال ذلك العمل الفني الخالد، وبعد لحظات أتاني الرد سريعاً، جمع حاشد تناسخ الوسم كلٌّ بطريقته حتى تم تفتيت حوارات "درب الزلق"، ودائرة المشاركة والابتسامة اتسعت وخلقت منافسة حامية وودية هي من يحفظ أكثر من الثاني. "النومة" طارت من عيني والساعة التي توقعتها كعمر افتراضي لدرب الزلق تمددت لليوم التالي، إنني كأحد عشاق "درب الزلق" أعلم أن ذلك المسلسل الذي عرض في منتصف السبعينيات اخترق حواجز زمنية، وأوجد لنفسه في كل جيل مكاناً بارزاً في المقدمة، ولكني هنا أعترف بأني مصدوم من هول السعادة عندما اكتشفت أن وصفة "درب الزلق" السحرية تحظى بقبول الجيل الجديد، وكأن الزمن في حضرة "درب الزلق" تتوقف عقاربه.لقد عشت في الثمانينيات منافسة من يحفظ أكثر "درب الزلق"، وفي التسعينيات تلمسنا استعمال عبارات كاملة كبديل عن حوارات أخرى فـ"برع" وتعني اطلع "بره" لفظ غير متداول في اللهجة المحلية الكويتية، لكن بمجرد لفظها الكل يعرف أنها من درب الزلق ويضحك عليها، "بلاغ من الرياسة... بلاغ من الرياسة" و"هل كيف يصير غش في التجارة؟".جمل تقال بالكامل في غير مواضعها ولكنها في العقل الجمعي الكويتي كُيّفت لتكون عبارات "دمها خفيف" فبلاغ من الرياسة تقال "للفت الانتباه واستدعاء الغائبين"، و"هل كيف يصير غش في التجارة؟"، وهي بالمناسبة جملة "غلط" من أولها لآخرها تستعمل كويتيا في الأحاديث عن أعمال التزوير أو عند عدم استيعاب موضوع معين، مثلا: هل كيف عندنا خطة تنمية؟ هل كيف يصير الشمالي وزيرا للمالية من جديد؟ما دعاني اليوم للحديث عما هو في الأساس لا يحتاج إلى شهرة أو تذكير، إلى ما هو لم يعد ملكا لجيل أو حتى وطن معين، إلى ما هو خارج عن سياقات النقد المعتادة، أمر مختلف تماماً، فأنا لا أريد عقد مقارنات أو التباكي عن المستوى الفني الذي وصلنا إليه أو حتى عن تراجع الدولة بأكلمها عن دعم الفنون والآداب والثقافة ودورها المريب في التفرج على تآكل رأس المال الثقافي وعدم اكتراثها بتشييد المسارح، ومدن الإنتاج الفني وكل ما يرتقي بذوق الناس وأخلاقهم، ما دعاني للحديث عن "درب الزلق" هو رغبتي في إطلاق مناشدة أدعو فيها إلى تكريم استثنائي لعمل فني كوميدي استثنائي، ولكل الذين عملوا على إخراجه للنور فرداً فرداً، تكريم على أعلى المستويات، فمثل هذا العمل الفاخر أصبح قطعة من التراث الكويتي، وبسمة تحدت كل غيوم التجهم التي خيمت على سماء الكويت، أفلا يستحق أن نقول لـ"درب الزلق": شكراً، ولكن بطريقة مختلفة؟!