فجر يوم جديد: رد فعل سقيم... وبليد!
هل يتابع السينمائيون المصريون أحدث نتاجات السينما العالمية، سواء عن طريق الأفلام المعروضة في المهرجانات الإقليمية أو الدولية أم متابعتها عبر الأقراص المدمجة؟ باستثناء قائمة من الوجوه الثابتة التي تلتقي أصحابها مراراً في أروقة المهرجانات مثل: المخرج محمد خان والنجم محمود حميدة والمخرج أسامة فوزي والمنتج والسيناريست محمد حفظي والمخرج علاء كريم (رحمه الله)، تضيق القائمة بشكل كبير حتى تبدو الصلة مقطوعة تقريباً بين السينمائيين المصريين ومدارس وتيارات ولغات وأفكار السينما العالمية، وهو قصور تبدى بشكل صارخ في عدد غير قليل من أفلام تخلفت كثيراً عن ركب السينما العالمية، وأحدثها «رد فعل» الذي يُعرض في الصالات راهناً.
الفيلم الذي شارك في كتابته وائل أبو السعود وإيهاب فتحي وأخرجه حسام الجوهري، ادعى الاقتراب من أفلام التشويق والإثارة، لكنه عجز عن مطاولتها بسبب افتقاد حرفية صنعها وضياع الإحساس بإيقاعها، وتقديم جرعة مبالغ فيها من الغموض افتقدت المنطق الدرامي، وكانت النتيجة أن نجح الفيلم في إضحاك الجمهور بدلاً من أن يُلهب مشاعره ويُقطع أنفاسه، ويشده إلى الشاشة! يبدأ غموض «رد فعل» قبل نزول «التترات» (العناوين) حيث تقع جريمة قتل في دار للمسنين تروح ضحيتها ممثلة معتزلة، وبعدها تنتقل الأحداث مباشرة إلى صيف 2010 حيث نتعرف إلى الشخصيات الرئيسة؛ كالطبيب الشرعي (محمود عبد المغني) ومقدم المباحث (عمرو يوسف) والطبيبة النفسانية (حورية فرغلي) التي تُعد رسالة دكتوراة في أميركا حول «مرتكبي الجرائم الأسرية دراسة مقارنة بين مصر وأميركا»، ومع ثاني جريمة قتل لطبيب الأسنان زير النساء، الذي تحوم الشبهات حول تورط واحدة من نسائه في قتله بهدف السرقة، يعجز الطبيب الشرعي عن ممارسة مهام وظيفته في تشريح الجثة، بسبب علاقة الصداقة الوطيدة التي كانت تربط طبيب الأسنان ووالده، وتسقط التُهم فجأة عن المشتبه فيهن بحجة انتفاء الشبهة الجنائية، لكن الجريمة تُحيي ذكريات أليمة لدى الطبيب الذي يتذكر طفولته، وهو «شاهد عيان» على مقتل أبيه بعد مناقشة «ساخنة» مع بعض ضيوفه، وتأكيد أمه أنه قُتل غدراً. عند هذا الحد كان يمكن تقبل جرعة الغموض والتشويق التي قدمها كاتب السيناريو والمخرج، لكن الزهو دفعهم إلى المبالغة فتوالت الجرائم الواحدة تلو الأخرى حتى وصلت إلى سبع جرائم راح ضحيتها قاطنو البناية نفسها، بدأت برجل الأعمال، ثم صاحب متجر السيارات و{الجواهرجي» والصحافية ورئيس الحزب المعارض والمحامي والممثلة، من ثم جاءت «الجرعة زائدة» وقاتلة على غرار ما يحدث مع المدمنين، وأسفرت عن فقدان التواصل مع ما يحدث على الشاشة من مواقف، وتراجع التعاطف مع الشخصيات بشكل ملموس، بل إن شريحة من الجمهور واجهت المنطق الساذج، والمبرر الغائب، والارتباك الواضح، بالضحك والسخرية، والتندر بالأداء الباهت لمحمود عبد المغني وبقية الممثلين. وتسلل إلى المشاهدين شعور بالتشفي من الممثلين الذين قتلوا، وتنفس البعض الصعداء لأن القاتل خلصهم من أدائهم الهزيل، ومبالغاتهم المستفزة، والسيناريو غير الواقعي. فالضابط يبتاع لطفله لعبة بألفي جنيه وأخرى بـ 180 جنيهاً، وهو شيء فوق الاحتمال الاقتصادي لضابط برتبة «مقدم»، بينما تعجز الطبيبة النفسانية التي تحضر رسالة دكتوراه في أميركا عن تشخيص حالة البطل، وتكتفي بتنظير سطحي لجرائم القتل، وكأنها ذهبت إلى أميركا للسياحة، بينما يستطيع المشاهد «المحترف» أن يرتاب في سلوكيات وتحركات «الطبيب الشرعي»، ويُدرك من دون عناء أنه مُصاب بالفصام، وأن أزمته واهية للغاية؛ فلا يمكن لطفل تصور وهماً أن والده قُتل على أيدي حفنة من ضيوفه أن يثأر لنفسه من أشخاص على شاكلتهم ووظائفهم. ليس من المبرر أن يختار السيناريو توقيتاً خاطئاً لإماطة اللثام عن «القاتل»، ويُعلن فجأة أن «الطبيب الشرعي» هو مرتكب الجرائم مدفوعاً بعقدته النفسانية القديمة، لنكتشف أيضاً أنه أصيب في شبابه بخرس موقت واكتئاب، وأنه نجح في التغرير بضابط المباحث وتقاريره الطبية، وهي قدرات خارقة لا تتأتى لـ{سوبرمان» أو «باتمان». بالتالي، لا يمكن مطلقاً أن تُغلق الخطوط الدرامية المتشعبة والمعقدة بالقبض عليه، وكأنه جنين في رحم حبيبته الطبيبة النفسانية، وبعدها يتم إيداعه في مستشفى للطب النفساني ومكافحة الإدمان، متشبثاً بأرنبه الذي أهدته إياه حبيبته. السيناريو يعوزه الإحكام، وغاب عن الفيلم الاحتكام إلى أساتذة واختصاصيين لديهم خبرة، وكانت النتيجة أن أصيب «رد فعل» بخلل جسيم في بنيته النفسانية، واضطراب في نزعاته الجرائمية، وانتهى الأمر إلى عبث بوليسي وهذيان درامي لا طائل فيهما!