مخطئ من يظن أن الرسالة الشعبية الرافضة لتغيير آلية الانتخابات البرلمانية واختزالها من أربعة أصوات إلى صوت واحد لم تصل إلى السلطة، وأن المسألة بحاجة إلى المزيد من التظاهرات والمسيرات وما شابهها حتى تصل.

Ad

هذا كلام غير صحيح على الإطلاق لمن لديه ولو قليلاً من بصيرة لمتابعة مجريات ما يحدث منذ سنوات ووضع الوقائع في سياقاتها المنطقية وردها إلى نصاباتها الموضوعية، فالسلطة كانت تعلم مقدار الرفض الشعبي وحجمه لما تقوم به منذ البداية، وتعلم أن ذاك القرار بالذات سيستفز الجموع، وإن كان قد غاب عن ناظرها ووعيها ربما حجم ردة الفعل وقدرتها على السيطرة عليها، لكنها في الحقيقة قد مضت في الأمر مع سبق الإصرار والترصد.

المسألة اليوم في الواقع هي مواجهة سياسية صريحة واضحة تدرك فيها كل الأطراف الفاعلة المؤثرة حقيقة ما يجري، وإن كان يغيب الأمر عن العامة بطبيعة الحال، وهو الأمر الذي يكون في كل الصراعات السياسية المشابهة على مر التاريخ في كل مكان.

والسلطة كذلك لا يخفاها أن هذا الانتفاض الشعبي بمستوياته المختلفة يمثل الأغلبية المجتمعية، فأرقام وإحصاءات المشاركة الانتخابية، مهما حاولت بعض المؤسسات الرسمية والمؤسسات المرتبطة بها من شبه الرسمية وغير الرسمية أن تتلاعب بها، تكشف أن أغلب الناس قد قاطعوا الانتخابات، ويكفيك مثلا أن تجمع أصوات جميع المرشحين الذين فازوا في إحدى الدوائر لتجد أنها لم تبلغ ما حصل عليه الفائز الأول في ذات الدائرة في الانتخابات الماضية. الأمر واضح لمن أراد الحقيقة يا أعزائي.

خلاصة القول أنه صراع صريح قررت فيه السلطة أن تستخدم كل ما تطوله يدها لإمضاء إرادتها، بما فيها أدوات القمع والبطش والاعتقال، في مواجهة شعب غاضب يزداد غضبا وشحنا يوما بعد يوم، ولكنه مع ذلك، والحمد لله على ذلك، لا يزال يتمسك بالسلمية وبمطالبات الاحتكام إلى الدستور والعودة فقط إلى نظامه الانتخابي السابق، ويا لها من مطالبات بسيطة لو كان عند السلطة شيء من بُعد النظر.

لكن الأمور في طريقها إلى الخروج عن السيطرة، وهذا لا يحتاج أيضا إلى الكثير من الذكاء لرؤيته وإدراكه، وبمقدار ما تلجأ السلطة إلى الأدوات القمعية أكثر سوف تزداد المسائل هيجانا، وبمقدار ما تصبح الاعتقالات أكثر قسوة وعشوائية سيتمدد الغضب الشعبي في مساحات جديدة ليشمل شرائح مجتمعية كانت قد نأت بنفسها عن المشاركة في الأحداث.

وستخطئ السلطة كثيراً إن هي ظنت للحظة واحدة أنها قادرة على إخماد هذه النار بعصاها الغليظة وبقمعها وبطشها واعتقالاتها، وأن الأمر يحتاج فقط إلى المزيد من الشدة وربما إلى الاستعانة بعساكر جدد من هنا أو هناك، فهذا الأمر لم يفلح يوما لا في الشرق ولا الغرب، ولا في الشمال ولا الجنوب، والكويت ليست مختلفة عن العالم، بل ما نراه هو أن الشباب الهائج الغاضب صار يزداد احترافا بل استمتاعا بما يجري وأضحى أكثر قدرة على المناورة والمواجهة والثبات في مسيراته واعتصاماته وفي كرِّه وفرِّه، ونرى في المقابل مقدار الإنهاك والملل الذي صار يطول عساكر الدولة المساكين الواقعين في هذه المعمعة!

الكويت اليوم بحاجة إلى "الرشد" قبل انزلاق القاطرة برمتها في النفق المظلم، والسلطات دوما أثبتت أنها لا تجيد العيش في الأنفاق المظلمة، في حين أن الشعوب تصمد بل تتكاثر.

الرشد الرشد يا سادة... والرشد حين ننادي به فإننا لا نزال نرجوه ونتأمله أولا وفي المقام الأول من صناع القرار وممن بيدهم الأمر.