الحلول الفاعلة لمشكلاتنا وأزماتنا هي عمل جماعي نتاج تحليل ودراسة عقلانية. لنفكر بعقلانية لا بد لنا من قليل من الهدوء والسكينة، ولنعمل معاً فلا بد من خلق حالة «سلام» تسمح بالحوار الحضاري والتعاون... وهذا السلام مع الآخر يتطلب حالة من السلام مع ذواتنا أولاً.
أعود إلى الكتابة بعد اعتكاف طويل، بحثاً عن الأمل والحل، فلا حاجة إلى مقال آخر يتذمر من الوضع العام وينعى العقل والحكمة، فالمظاهر واضحة للعيان من اقتصاد منهار إلى أخلاق متعفنة، وما بينهما الكثير.فلا خلاف علـى الأزمة أو الأزمات، لكن لا اتفاق على تشخيص الأسباب ولا محاولات جادة لإيجاد حلول... بل نرى -وفي تزايد مطرد- جميع أشكال العنف والاضطهاد الفكري والنفسي والجسدي، فنرى ممثلي الشعب يتحاورون بالأيادي و«النعال»، ونسمع المشرع يدعو إلى هدم بيوت العبادة وإعدام المختلف، ونشعر بنفس طائفي وعنصري نتن يفوح من الشعب، ونذوق المر يومياً من انتقائية الحكومة وتعسفها في تطبيق القوانين واستضعافها للأقليات إرضاءً لـ»الأغلبية».عنف عن وعي وتعمد، وآخر دون وعي أو إدراك، يعكسان حالة من المرارة والحنق والإحباط أساسها الخوف والاكتئاب، وكثير ممن يحمل هذا العنف غير المبرر لا يعي أنه ينم عن ضعف وهشاشة بل العكس تماماً، الكل يبرر عنفه بحب الوطن أو الغيرة على العقيدة أو الحفاظ على الهوية أو حماية المال العام وغيرها من «الملصقات» الجاهزة للطباعة والتوزيع لتبرير أي تصرف لا عقلاني.فكيف نتوقع أن نجد أي حل في هذه الحالة من الهياج العام؟ كيف لنا أن نجد أي أمل في ظل الذعر والكآبة؟واقع الحال يعكس نتائج التصرف تحت سطوة الغضب والخوف العامين، فالقرارات غير مدروسة والمواقف عاطفية والحوارات تخلو من أي منطق... ولا أستثني هنا أي سلطة أو «كتلة» أو أي تيار سياسي.الحلول الفاعلة هي عمل جماعي نتاج تحليل ودراسة عقلانية. حتى نفكر بعقلانية لا بد لنا من قليل من الهدوء والسكينة، وكي نعمل معاً لابد من خلق حالة «سلام» تسمح بالحوار الحضاري والتعاون... وهذا السلام مع الآخر يتطلب حالة من السلام مع ذواتنا أولاً.السلام مع الذات يأتي بتوافق الفكر مع الخطاب وتواؤم القول مع الفعل... فكم منّا يعيش بسلام مع ذاته؟ كم منّا يعبر عما يفكر ويطبق ما يدعي؟ من منّا لا يعاني القليل من الانفصام داخل نفسه؟ فكيف لنا أن نفكر بعقلانية في خضم هذه الحرب الدائمة مع الذات؟ كيف لنا أن نتقبل الآخر، ونحن ننكر أجزاءً منّا؟ هل يمكن أن نتحاور مع الغير ونحن نصم آذاننا عن أفكارنا ورغباتنا؟... لا أعتقد!أعتقد أن حالة التشتت والانفصام العامة في المجتمع هي انعكاس للحرب الدائرة داخل أفراده... فما نحتاجه فعلاً ليس الأمل بل القليل القليل من السلام مع الذات.
مقالات
لسنا بحاجة إلى أمل
04-05-2012