الشرق الأوسط بعد الأسد

نشر في 31-07-2012
آخر تحديث 31-07-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت تُرى كيف قد يبدو الشرق الأوسط حالما تؤدي الحرب الأهلية السورية إلى سقوط الرئيس بشار الأسد، الذي حكمت عائلته البلاد بقبضة من حديد لأكثر من أربعين عاما؟ إن هذا السؤال لم يعد من الممكن تجاهله، نظراً للمنعطف الدراماتيكي الذي سلكته الأحداث أخيراً والذي دفع المعركة من أجل سورية إلى مرحلة جديدة.

كان الهجوم التفجيري الناجح على الدائرة الأقرب إلى الأسد، وامتداد القتال إلى العاصمة دمشق (وإلى الحدود مع تركيا والعراق)، والتدفقات المتزايدة من الأسلحة الأثقل والأكثر دقة إلى المتمردين، بمنزلة الإعلان عن بداية الفصل الختامي من المأساة. ولكن لا ينبغي لأحد أن يتعلق بآمال كاذبة حول التغيير القادم: ذلك أن نظام الأسد لن يحل محله نظام ديمقراطي قائم على سيادة القانون، بل إن الأمر على العكس من ذلك تماما، فمن المرجح أن تكون مرحلة ما بعد الأسد أكثر فوضوية وعنفاً مع محاولة معارضي النظام تصفية الحسابات مع أنصاره ومؤيديه واندلاع الصراع بين مختلف العشائر والطوائف الدينية.

وكما هي الحال في بلاد عربية أخرى، فإن الحكم الاستبدادي العلماني سوف يحل محله حكم جماعة الإخوان المسلمين السُنّة، التي تمثل في سورية، بقدر ما تمثل في مصر وتونس، أغلبية السكان، ولكن خلافاً لتونس ومصر، فإن تغيير النظام سوف يكون نتاجاً لحرب أهلية. فضلاً عن ذلك فإن النفوذ الخارجي سوف يكون ضئيلاً للغاية في الأرجح. والأمر الواضح الآن هو أن زوال نظام الأسد سوف يؤدي إلى عواقب بعيدة المدى فيما يتصل بالتوزيع الإقليمي للقوى بين تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية، وأيضاً فيما يتصل بصراعات إقليمية وبشكل خاص تلك التي تشمل فلسطين، والدور الذي يلعبه حزب الله في لبنان، وبرنامج إيران النووي.

وسوف يخلف سقوط نظام الأسد فضلاً عن ذلك عواقب دولية أوسع نطاقا، نظراً للتحالف القائم فعلياً بين روسيا وسورية. كانت المعارضة الراديكالية لإسرائيل تشكل دوماً ركيزة من الركائز التي يستند إليها النظام السوري، وهو ما يساعد في تفسير تعاونه الوثيق مع حزب الله، الحليف الأقرب إلى إيران في هذا الجزء من الشرق الأوسط، ومع إيران ذاتها. ولكن تغيير النظام في سورية لن يؤدي إلى تغيير العناصر الأساسية التي تحدد هوية الصراع بين إسرائيل وجيرانها، وأعني بالتحديد السعي إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، ثم هناك المسألة الجوهرية التي يستند إليها هذا السعي والمتمثلة بقبول وجود إسرائيل. وعلى الرغم من تطرفه، فإن سلوك نظام الأسد كان متوقعاً دوماً بالنسبة إلى إسرائيل، فقد أدرك هذا النظام حدوده وتقبلها، وعلى النقيض من هذا فإن حالة عدم اليقين اليوم تنطوي على خطر نشوب حرب إقليمية، وبخاصة في ضوء المخزون الكبير من الأسلحة الكيماوية لدى سورية.

والأمر الوحيد المؤكد هو أن إسرائيل سوف تضطر إلى التعامل بشكل أكثر تكراراً مع جماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص ومع الإسلام السياسي (السُنّي) عموما، وبالتالي مع حماس (الفرع الفلسطيني من جماعة الإخوان المسلمين) التي تعززت قوتها بشكل كبير. وسوف يكون الصراع العربي الإسرائيلي مشحوناً على نحو متزايد بالدين، وهو ما من شأنه أن يزيد من صعوبة التوصل إلى حلول وسط للصراع. وسوف يكون التأثير في الأردن بالغ الأهمية أيضا، ولو أنه لا أحد يستطيع التنبؤ بأبعاده الآن.

ومن ناحية أخرى، لا تنطوي التطورات الجارية في سورية على المخاطر فحسب، فهناك أيضاً الفرص التي يتعين على المنطقة أن تستكشفها (ولكن مرة أخرى من دون التعلق بآمال كاذبة). إن تغيير النظام في سورية سوف يأتي في كل الأحوال على حساب إيران ووكيلها في لبنان حزب الله، وبالتالي فقد يؤدي إلى تقليص النفوذ الإيراني بشكل كبير في الصراع مع إسرائيل. وعلى نطاق أوسع فإن إيران تخسر حليفها الوحيد في العالم العربي غير عراق ما بعد صدّام، وهذا يعني بالتالي عزلة إيران شبه الكاملة، وفي صراعها من أجل فرض هيمنتها الإقليمية في مواجهة القوتين السُنّيتين الرائدتين في المنطقة- تركيا والمملكة العربية السعودية- فضلاً عن حاميتهما الولايات المتحدة، فإن إيران تصبح عُرضة لتكبد هزيمة استراتيجية ثقيلة سوف يكون التعافي منها بالغ الصعوبة.

وسوف تؤثر هذه الهزيمة الوشيكة والعزلة الإقليمية في موقف إيران فيما يتصل بالمسألة النووية أيضا، ومن المنظور العقلاني البحت، فقد يكون من الحكمة إن يسعى نظام الأسد بجدية إلى التوصل إلى حل من خلال التفاوض، ولكن يبدو من الأرجح أن تزداد القوى الإيرانية المحافظة المتطرفة تشبثاً بالبرنامج النووي مع ضعف الموقف الاستراتيجي للبلاد. والواقع أن آمال قادة إيران في انتفاع الجمهورية الإسلامية إلى أقصى درجة ممكنة من الثورات العربية ضد الدكتاتوريات الموالية للغرب برهنت على أنها خطأ بالغ الجسامة، ولو أنه كان متوقعا. وبدلاً من ذلك، يتعين على حكام إيران أن يواجهوا العواقب شبه اليقينية المترتبة على اليقظة العربية والتي سوف تلحق بهم أيضاً إن آجلاً أو عاجلا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وهناك درس أخير مستفاد من الحالة السورية: وهو أن التحالف مع روسيا لم يعد كافياً لضمان بقاء أي نظام، وربما تكون العواقب الاستراتيجية عميقة أيضاً بالنسبة إلى الكرملين، لأن سقوط الأسد قد يحكم بالزوال منذ البداية على مسار السياسة الخارجية الجديد الذي تبناه الرئيس فلاديمير بوتين، والذي يهدف إلى استعادة قوة روسيا ونفوذها العالمي.

وبالتالي فإن نتيجة الحرب الأهلية السورية سوف تخلف عواقب بعيدة المدى ليس فقط بالنسبة إلى سورية وشعبها بل أيضاً بالنسبة إلى السياسات الإقليمية والعالمية، وسوف تكون إيران هي الأكثر تضررا، وربما كان لزاماً على حكام إيران أن يتوجهوا بالشكر إلى جورج دبليو بوش، وديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وأنصارهم، الذين يسروا لهم التحالف مع العراق، ولكن في نهاية المطاف لن يكون هذا التحالف كافياً.

* يوشكا فيشر كان وزيراً لخارجية ألمانيا ونائباً لمستشارها أثناء الفترة 1998-2005، وكان أحد زعماء حزب الخضر الألماني البارزين لما يقرب من العشرين عاما.

«بروجيكت سنديكيت»- معهد العلوم الإنسانية  بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top