عرفنا وظيفة «مدير أعمال النجم» من خلال السينما العالمية، تحديداً الأميركية؛ حيث تتحول العلاقة إلى التزام متبادل، وحدود لا يمكن تخطيها، بل إن كل ما اتفق عليه يتم توثيقه في عقود قانونية ينبغي التقيد بها؛ بمعنى ألا يتجبر «النجم» أو يأخذه الكبر، وفي المقابل لا يتجاوز «مدير الأعمال» حدود وظيفته أو يتصور أنه «دوبلير» النجم!
هكذا عرف العالم وظيفة «مدير الأعمال»، لكننا في السينما المصرية لم نأخذ من الوظيفة سوى شكلها، وعند التطبيق خرجنا بها عن مسارها؛ فالعاطفة تدخلت، وتصور «النجم» أن أول مواصفات «مدير الأعمال» أن يمت له بصلة قرابة أو يختاره، بناء على توصية من والدته التي لا يرد لها طلب (!)، وفي كثير من الأحيان اختلط الأمر على نجوم السينما المصرية فلم يدركوا الفارق بين «مدير الأعمال» و{اللبيس»(!)تبعاً لهذا أصبح طبيعياً أن تتداخل الاختصاصات المُبهمة أصلاً، وتنهار الحدود التي أفسدتها العاطفة، ويتصور «مدير الأعمال» أنه «النجم» فيتقمص شخصيته، ويتحدث بلسانه، ويستعير غروره، ويعمل جاهداً على أن يقيم الحواجز والسدود بين «النجم» وجمهوره، وتصل به الجرأة، وربما الصفاقة، إلى حد أن يُنحي «النجم» جانباً، ويتحدث للصحافة والإعلام باسمه بحجة أنه «مش فاضي»!مقدمة مطلوبة للحديث عن واقعة بطلتها إيناس بكر، وهي امرأة شابة مشهود لها بدماثة الخلق، واجتهدت طويلاً لتقدم نفسها ككاتبة للسيناريو، لكنها عجزت عن تحقيق حلمها، ولم تترك البصمة التي تؤهلها للاستمرار، فما كان منها سوى أن اختارت، بإرادتها، الاكتفاء بشرف الاقتراب من النجم عمر الشريف، الذي عرفه العالم لحظة أن اختاره المخرج البريطاني المشهور ديفيد لين ليشارك في فيلم «لورانس العرب»، وارتضت القيام بدور المتحدثة الإعلامية في مصر للنجم، الذي جاملها بدوره ووافق على بطولة مسلسل من تأليفها بعنوان «حنين»، لم يُكتب له النجاح، ومن بعدها صارت الأمور تختلط وتلتبس لدرجة أن أحداً لا يعرف إن كان ما يسمعه، ويقرأه، من تصريحات على لسان عمر الشريف تعكس أفكاره الشخصية أم تعبر عن وجهة نظر «إيناس»، لكنها وضعتها على لسانه!حدث ذلك كثيراً، لكن أحداً لم يتوقف أمام الأمر وقتها، لأن التصريحات السابقة لم تكن تمثل خطورة أو تهديداً أو إساءة من أي نوع، بل يمكن اعتبارها وجهات نظر شخصية يتحمل صاحبها مسؤوليتها، لكن الأمور فاقت كل حد بعد أن أدلت إيناس أخيراً بتصريحات صحافية على لسان الشريف أساءت كثيراً إلى صورته، بتأكيدها أنه يتابع من فرنسا تطورات الأوضاع الراهنة في مصر، وأنه يترقب عن كثب نتائج جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، بين د. محمد مرسي ممثل جماعة «الإخوان المسلمين» والفريق أحمد شفيق ممثل «النظام القديم»، وأنه هدد، كما تقول إيناس، بقطع علاقته ومصر بشكل نهائي في حال فوز د. محمد مرسي، بينما سيعود إلى مصر في حال فوز أحمد شفيق!المثير أن إيناس لم تكتف بما قالته على لسان النجم، بل أضافت، بغير وعي، أن مشروع فيلم «إشاعة واحدة لا تكفي»، المزمع أن يقوم الشريف ببطولته، مرهون بفوز شفيق، وإلا فلن يبدأ تصويره، وسيصرف النظر عنه نهائياً لأنه وقتها سيكون قد قرر قطع علاقته ومصر!تصريحات لا يمكن وصفها سوى بأنها غير مسؤولة، ويمكن أن تكون لها عواقب وخيمة على مكانة وشعبية «النجم» الذي عاش عمره في الغرب «المتحضر»، وأقام ردحاً من الزمن في فرنسا عاصمة «النور» و{الحرية»، لكنه لم يستفد، في ما يبدو، من المناخ السائد هناك؛ حيث التعددية واحترام الحريات وقبول الآخر، وبدلاً من أن ينتظر اللحظة التي تكتمل فيها التجربة الديمقراطية في بلده ويرى ما ستسفر عنه النتائج على أرض الواقع، أطلق تصريحاته، التي قالت «مدير أعماله» إنه أدلى بها، ليُصادر ويُهدد ويتوعد ويُظهر للكافة أنه يُخفي في طياته «ديكتاتوراً» كبيراً يضيق ذرعاً بالرأي الآخر، ولا يرى بديلاً عن الفكر الذي يؤمن به!الأخطر من هذا أن التصريحات المهينة التي لم يبادر الشريف بنفيها حتى لحظة كتابة هذه السطور، تكشف هشاشة العلاقة بينه ووطنه بدرجة لا تُصدق. فالنجم يربط عودته إلى مصر واستمرار مشروعه الفني فيها، وبقاءه على أرضها، بفوز المرشح الرئاسي الذي يؤيده، ما يعني أن مصر تضاءلت في نظره حتى أصبح بالإمكان الاستغناء عنها نهائياً لمجرد أن وجهة نظره الذاتية لم تنتصر، ومصالحه الشخصية الضيقة لم تتحقق... منتهى الديمقراطية... والوطنية!
توابل - سيما
قطع العلاقات مع الوطن!
18-06-2012