انتشار خطاب الكراهية خلال السنوات الأخيرة على وجه الخصوص هو نتيجة لسياسات عامة فاشلة- كالنظام الانتخابي مثالاً لا حصراً- لا تنظر إلى المواطن بصفته مواطناً بل بصفته منتمياً إلى هذه القبيلة أو تلك الطائفة أو العائلة، مما أدى إلى بروز «الهويات الصغرى» وتشجيعها على حساب الانتماء الوطني الجامع.

Ad

الدعوة الطيبة التي أطلقها شباب "حوارات التغيير" من ساحة الإرادة للتوقيع على "إعلان نبذ خطاب الكراهية" تستحق الإشادة والتشجيع لأنها تصدر من شباب وطني يمثل المكونات الاجتماعية والمذهبية كافة لمجتمعنا؛ رغم علمنا أن بيان "التعهد" أو المطالبة بوجود قانون مكافحة الكراهية غير كاف وحده للقضاء على خطاب الكراهية والعنصرية، وذلك لأن انتشار خطاب الكراهية خلال السنوات الأخيرة على وجه الخصوص هو نتيجة لسياسات عامة فاشلة- كالنظام الانتخابي مثالاً لا حصراً- لا تنظر إلى المواطن بصفته مواطناً، بل بصفته منتمياً إلى هذه القبيلة أو تلك الطائفة أو العائلة، مما أدى إلى بروز "الهويات الصغرى" وتشجيعها على حساب الانتماء الوطني الجامع.

من ناحية أخرى، فإن مصطلح "الوحدة الوطنية" بحاجة إلى إعادة تعريف بشكل دقيق لأنه مصطلح فضفاض جداً يستخدمه حتى عتاة العنصريين، ناهيكم عن أن القانون بحد ذاته، وبافتراض أنه يطبّق على الجميع من دون تعسف أو انتقائية، لا يمنع خطاب الكراهية والعنصرية ما لم تتوافر الإرادة السياسية لبناء وطن دستوري وديمقراطي يتساوى فيه المواطنون جميعاً أمام القانون بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والمذهبية والدينية.

حينذاك يصبح وجود شخص معتوه أو مريض نفسياً يطلق بذاءاته اللفظية على الناس غير ذات أهمية إطلاقاً؛ لأن هذه الإساءات اللفظية ليس لها أساس موضوعي في السياسات العامة للدولة أي في الحياة العملية.

وكما سبق أن ذكرنا في هذه الزاوية فإن "محاربة خطاب الكراهية بشكل جدي تتطلب سياسات حكومية جديدة ونوعية ترتكز على فكرة المواطنة الدستورية، حينها سيشعر المواطن بأنه يحصل على حقوقه كاملة لأنه مواطن وليس كابن قبيلة أو عائلة أو من هذه الطائفة أو تلك، وعندئذ لن تتكون بيئة خصبة للكراهية والبغض الاجتماعي، وسيفقد مروجو خطاب الكراهية مصداقيتهم، ويكسد سوقهم، ويصبحوا منبوذين اجتماعياً، فلا يجدون من يصغي إليهم.

السياسات العامة النوعية المشجعة على الاندماج الاجتماعي والهوية الوطنية الجامعة لا يمكن لها أن تجتمع مع الفساد السياسي، لهذا فإن الإصلاح السياسي والديمقراطي هو الخطوة الأولى الضرورية لمحاربة خطاب الكراهية".

من هذا المنطلق، فإنه من المؤمل أن تتطور "حوارات التغيير" التي بدأها الشباب الوطني المخلص لتؤسس مستقبلاً، أي بعد الانتهاء من موضوع النظام الانتخابي، لحوار وطني عام يشارك فيه الجميع حول استكمال بناء الدولة الدستورية الديمقراطية التي يسود فيها القانون وتنعدم فيها الأسس الموضوعية التي تشجع على قبول خطاب الكراهية والعنصرية وانتشاره في المجتمع.