مختلف وأحب المختلفين!
أغلب الناس يسعون جاهدين طوال حياتهم إلى إلغاء الفروق والاختلافات بينهم وبين من حولهم، فتراهم لا يتقبلون المختلف، ولا يهضمون الأفكار الجديدة الخارجة عن المألوف، ولا ينسجمون مع غير المعتاد، ويقاومون التغيير بشتى الطرق، وكأنهم بذلك من حيث لا يشعرون يحاولون إيقاف عجلة الحياة التي تدور أصلا مدفوعة بطاقة ووقود الاختلاف لا التشابه والتماثل.
تخيلوا لو كان جميع الناس سواء، تخيلوا لو كانوا يشتركون جميعا في توجهاتهم السياسية واهتماماتهم الفكرية، تخيلوا لو كانوا يشتركون جميعاً في مذاهبهم الدينية وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم. تخيلوا لو كانوا يتشابهون جميعا في تفضيلاتهم وأمزجتهم واختياراتهم في الأدب والفنون والموسيقى والألوان، وفي أذواقهم في اختيارات الطعام والشراب، تخيلوا لو كانوا يتشابهون جميعا في كل شيء تماما، فسيكون الأمر مملاً جداً، أليس كذلك؟!هذه الفكرة التي وجدت ما يشبهها مكتوباً على كوب قهوة ومنسوباً لمعد أفلام وثائقية أميركي يدعى بيل برومل، أثارت تفكيري.
بالفعل سيكون الأمر مملاً جداً لو تشابه الناس في كل شيء، حيث سيصبحون أشبه ما يكونون بالرجال الآليين المبرمجين وفق برنامج واحد متشابه، وحينها ستفقد الحياة سر جمالها المرتبط بروح المفاجأة وروح الخروج عن النمط المألوف والقواعد الثابتة المعتادة، حيث ستتوقف معادلة الاختلاف البشري الخلاقة بطبيعتها عن الابتكار والإبداع، وستتوقف عن الإشراق وصنع الجديد في كل المناحي وتطويره وإنتاجه، في الفكر والفن والأدب والترفيه والصناعة والتقنية والموضة، بل حتى في العلاقات الإنسانية والتواصل البشري. ستتوقف كل الحياة بمعناها العميق في الحقيقة. المفارقة هنا هي أن أغلب الناس يسعون جاهدين طوال حياتهم إلى إلغاء الفروق والاختلافات بينهم وبين من حولهم، فتراهم لا يتقبلون المختلف، ولا يهضمون الأفكار الجديدة الخارجة عن المألوف، ولا ينسجمون مع غير المعتاد، ويقاومون التغيير بشتى الطرق، وكأنهم بذلك من حيث لا يشعرون يحاولون إيقاف عجلة الحياة التي تدور أصلا مدفوعة بطاقة ووقود الاختلاف لا التشابه والتماثل.من يستطيع أن يصل إلى تلك المرتبة التي يؤمن فيها حقا بألا مشكلة في اختلاف الآخرين عنه دينيا ومذهبيا وفكريا وسياسيا ومزاجيا وفي تفضيلات الذوق وغيرها، وأن هذا الاختلاف هو من صميم الحق البشري بحرية الاختيار والممارسة على هذه الأرض، طالما أن هذه الاختلافات وهذه الممارسات الحرة لم تتجاوز حدودها المتعارف عليها، ولم تتعد على حدود الآخرين وعلى حقهم هم أيضا في ممارسة اختلافاتهم وحرياتهم المقابلة، أقول إن من يستطيع أن يصل إلى هذه المرتبة هو من سيعيش بسلام مع نفسه ومع الآخرين، فمن يقبلون المختلفين ويقدّرون الاختلاف ويؤمنون بأن سنّة الحياة هي التغيير والتبديل والتحول والاختلاف والتمايز والتفاضل هم فقط من يشعرون بالراحة النفسية العميقة في واقع الأمر، بل الراحة الجسدية أيضا، لأنهم سيتوقفون عن مصارعة عجلة الحياة وسيتوقفون عن منازعة المختلفين عنهم ومقاومتهم، وسيتقبلون حقهم في الاختلاف وحقهم في الحياة.لنكن جميعا كذلك يا سادتي، لنحترم الاختلاف ولنقدر حق المختلفين في الحياة، ولنتعايش معهم بسلام، بل لنرتقِ أكثر فنحب الاختلاف ونحب المختلفين عنا، ليس بالضرورة لشخوصهم أو لما هم عليه من عقائد ومذاهب وأفكار وأمزجة وأذواق مختلفة عما نحن عليه، إنما تقديرا وحبا لفكرة الاختلاف بحد ذاتها لأنها هي التي جعلت هذه الحياة أكثر إثارة وأكثر جمالا.