ميانمار والبدون
تعد ميانمار أو بورما أحد أكثر البلاد اضطراباً سياسياً، وقد تفاقمت فيها ظاهرة التمييز والاضطهاد العنصري والديني منذ فترة طويلة، كان آخرها ما تعرض له المسلمون هناك من اعتداءات سافرة وانتهاكات مغالية منذ شهر يونيو الماضي في ولاية راكين.
وقد جرى تداول الوضع المتدهور في كمبوديا منذ بداية التسعينيات للضغط على السلطة الكمبودية لإجراء إصلاحات سياسية جذرية، وكان من ضمن أشكال تلك الضغوط تعيين مفوض دولي خاص شغله حتى ٣ سنوات مضت بينهيرو البرازيلي، وهو ذات الشخص الذي تولى رئاسة لجنة التحقيق في أحداث سورية مؤخراً.ويشغل منصب المفوض الدولي الخاص بحقوق الإنسان في ميانمار الآن توماس كوينتانا الذي أنهى زيارته الأخيرة الأحد الفائت، وتمكن من الاطلاع عن كثب على الأوضاع البائسة في ولاية راكين، وطالب بإجراء تحقيق مستقل في مجريات الأحداث التي تضرر منها عدد كبير من الضحايا أغلبهم من المسلمين، وعلى الأخص من فئة الروهنجيا المسلمة، وهي ليست الفئة المسلمة الوحيدة في البلاد، لكنها عديمة الجنسية، أي "بدون"، وترفض السلطة الكمبودية الاعتراف بمواطنيتهم. قام كوينتانا بزيارة السجون حيث التقى عدداً كبيراً من سجناء الضمير من المسلمين وغيرهم، فالاضطهاد هناك يتجاوز المسلمين فقط وإن كانوا هم الفئة الأكثر اضطهاداً، كما التقى موظفي الأمم المتحدة المعتقلين على خلفية الاعتداءات الأخيرة، وطالب بالإفراج عن جميع المعتقلين، كما طالب بالتركيز على الاحتياجات العاجلة للمشردين في الداخل، والذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف يعانون ظروفاً صعبة جداً، كما أنهم عرضة للاعتداءات المتكررة. ومع أن هناك عدداً من اتفاقات الهدنة التي تم الاتفاق عليها بين عشر مجموعات عرقية ودينية، فإن احتمالات كسرها أمر وارد.هناك حاجة للتدخل السريع لإيقاف الاضطهاد المنهجي ضد الأقلية المسلمة، إلا أن مشكلة التمييز لا يبدو أنها ستتوقف، وهي بحاجة إلى علاج شامل يرتكز على سيادة القانون والإصلاح السياسي القائم على العدالة والمساواة، ولعل الخطوة الأولى تتمثل في إيقاف العنف ومعاقبة المعتدي بموجب القانون، وهو أمر صعب يتحقق في ظل الظروف الراهنة المحتقنة، كما أنه مرشح للتكرار إن لم يتم حلها على أسس المواطنة المتكافئة والمساواة وتجنيس البدون المسلمين البورميين من فئة روهنجيا.إن التحرك الدبلوماسي الدولي يجب أن يركز على البعد الإنساني ودعم التوصيات التي جاءت في البيان الختامي لكوينتانا، وعلى رأسها تشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات الأخيرة وتتبعها برامج إصلاحية وإعادة تأهيل لدمج الشرائح الاجتماعية، والتصدي للاضطهاد العنصري والديني وخطاب الكراهية وانحياز السلطة وإلا فإن الأمور مرشحة للتدهور مجدداً.