التشكيل الحكومي الجديد، وعلى الرغم من احترامنا الشديد لشخوص أعضائه ومنهم بالتأكيد كفاءات وطنية، لا يمثل توجه مرحلة بقدر ما يحمل من رسائل لأكثر من طرف.

Ad

الرسالة الأولى الصريحة فحواها أن الوزارة الجديدة ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالمخاض السياسي الراهن، وخصوصاً تداعيات ونتائج الانتخابات الأخيرة، ولأول مرة كان سمو رئيس الوزراء واضحاً وحازماً مع المجاميع النيابية بأنه لن يقبل أي نوع من الضغوط لفرض أسماء محددة، بل لا يسمح بأن يكون هناك أي «فيتو» على من يختار من وزرائه، وهذا بحد ذاته دليل قاطع على أن التشكيل الحكومي لم يعبأ بالمجلس الجديد سواء بأعضائه المخضرمين أو الجدد، ولعل في ذلك أيضاً إيحاء مباشراً للرد على مطالبات الحكومة الشعبية التي رفعها نواب المعارضة في مجلس 2012 المبطل.

والرسالة الثانية قد تكون موجهة إلى كتلة الأغلبية في المجلس المبطل، وكنوع من الغزل السياسي بغية المحافظة على شعرة معاوية معها، بأن الفريق الحكومي وبمعظم وزرائه، هو ذاته الذي شكل وتعامل مع مجلسهم المبطل، والذي منحته تلك الأغلبية مظلة الحماية البرلمانية في مواجهة سلسلة الاستجوابات التي تقدم بها نواب الأقلية آنذاك، ممن تحولوا إلى أغلبية كاسحة في مجلس ديسمبر 2012 الجديد.

وهذه الرسالة تحمل في طياتها رسالة مبطنة ثالثة للمجلس الجديد بأنه قد وُضع بين فكي كماشة الحرج السياسي، سواء اختار هذا المجلس سيناريو المواجهة، الأمر الذي قد يحوله أمام الناخبين الذين تحدوا خيار المقاطعة وشاركوا في الانتخابات بأنه برلمان تأزيمي آخر وقرار حله سيكون بأقل كلفة سياسية، أو اختار المجلس سيناريو المهادنة، الأمر الذي سيجعل منه برلماناً ضعيفاً وحكومياً حتى النخاع!

أما الرسالة الرابعة والأخيرة في التشكيل الحكومي الجديد فعنوانها أنه في الوقت الذي حرم جماعة المقاطعة من المشاركة فيه، فهو لم يكافئ من انتصر للحكومة من خلال خوض الانتخابات بكثافة سواء من الشيعة أو من القبائل الصغيرة أو الأقليات الحضرية الأخرى، وأتوقع بأن رئيس الوزراء لم يرغب في اتخاذ أي قرار من هذا النوع حتى لا يقر بأن واقعاً جديداً قد فرض نفسه كمعادلة سياسية، وأن الحكومة الحالية ليست سوى حكومة مؤقتة أو انتقالية لحين صدور حكم المحكمة الدستورية في الطعن بمرسوم الصوت الواحد، الأمر الذي سيعيد الجميع مرة أخرى إلى المربع الأول!