الكتابة أولاً. ثم تبدأ بقية تقنيات العمل الفني بالعمل حول هذا المحور الأهم والشائك أحياناً. في العمل السينمائي والمسرحي والتلفزيوني تكون السلطة الأولى للنص المكتوب وحرفة هذا النص. ليس بإمكان نص أدبي مهلهل وسطحي أن ينتج عملاً فنياً استثنائياً مهما جاهدت بقية العناصر في محاولة إحيائه. النص الميت لا يمكن أن ينتج عملاً حيّاً.

Ad

أغلب الأعمال التي يتم عرضها سنوياً في رمضان، لأنه ولسبب ما أصبح شهر الإنتاج الدرامي الأكبر في حياة المشاهد العربي، ترتكز في نجاحها أو فشلها على صورة الفنان الذي يؤدي الدور الرئيس في هذه الأعمال.

لا أحد يهتم كثيراً بكاتب العمل وجهد كاتب العمل في ابتكار نص مغاير للجو العام والسائد الذي اعتاده المشاهد. وأكثر من ذلك يتوقع الجميع الحكاية التي سيقدمها له هذا العمل أو ذاك دون بذل الكثير من الجهد. أداء انفعالي لأعضاء الأسرة وهم يواجهون مشاكل اجتماعية متصلة بشكل مباشر بهذا الواقع أو ذاك.

العمل الفارق يفرض نفسه حين يختلف في نصه عن بقية الأعمال، حين يذهب بعيداً عن الثيمة الرمضانية والتنويعات المصاحبة لها. وهي حالة لا تتكرر دائماً وإذا وجدت تستحق عناء المتابعة، ومنح صاحبها الوقت الذي يستحقه للمتابعة. وليس من عمل استثنائي يستحق الإشادة كما يستحق عمل الكاتب عبدالرحيم كمال في الخواجة عبدالقادر. عبدالرحيم كمال صاحب النص ونصه هما بطلا العمل بلا منازع دون أن ننكر جهد يحيى الفخراني وخبرته الفنية الطويلة في تجسيد شخصيات مركبة وعميقة. لكن الفخراني نفسه هذه المرة لم يتفوق على النص الذي أدى الدور الأول فيه.

كتب النص بذهنية جميلة وتقنية عالية، وهو يمازج بين زمانين: الأول في الحرب العالمية الثانية، والثاني في أواخر القرن العشرين، والانتقال بينهما باستخدام أسلوبين سرديين: الأول الفلاش باك أو الاسترجاع عبر قصة يسردها "كمال" لأمه أو ابنته تتناول حياته مع الخواجة عبدالقادر حين كان "كمال" في سنوات صباه الأولى، والثاني سيرة الخواجة خلال أيامه الأولى في السودان، وتحوله من يائس سكير إلى صوفي يفهم الحب والحياة وعلاقته بالله التي نشأت بعد لقائه بالشيخ الصوفي عبدالقادر الذي وهبه اسمه وصفاته وطريقته في البحث عن ضالته.

لن أدعي أن النص لم تشبه بعض الهنات، لكنني لن أنظر اليها لأن العمل مكتوب بطريقة أكثر من رائعة، والأكثر أهمية أن النص يغرد وحيداً خارج سرب العادية والصورة النمطية لعمل تلفزيوني عربي. وبعيداً عن الثيمة المغايرة للأعمال التلفزيونية تحرك النص بسلاسة جميلة واقتدار فني بين الزمانين الذين تناولهما دون أن يشعر المتابع باقتحام مشهد على مشهد أو ارتباك فني محتمل حتى توحد نسيجه الدرامي وكأنه سرد متصل لزمان واحد لا فوارق فيه. وربما أكثر مشاهده جمالاً حين يحكي "كمال" الأب لأمه قصته مع الخواجة بين مشهدين ينام "كمال" الطفل أمام الخواجة في المشهد الأول، وينام "كمال" الأب أمام أمه التي تحتضر في المشهد الثاني.

حين نركز على النص الكتابي فإننا نؤمن بأن أي عمل فني سيكون فاشلاً مهما حاول القائمون عليه إذا فشل النص، ومهما كبرت أسماء ممثليه وشهرتهم، كما سنرى مع العمل الأكثر شهرة ومشاهدة فرقة ناجي عطاالله في المقال القادم.