أهم كتاب... لا يُقرأ

نشر في 26-07-2012
آخر تحديث 26-07-2012 | 00:01
No Image Caption
 مسفر الدوسري العِبرةُ درسٌ مجاني تمنحه الحياة لنا دون أي تكلفة أو بأقل الأثمان،

كتاب العِبر يُوزَّع مجاناً على أرصفة الشوارع وفي «البازارات» اليومية التي تقيمها الأحداث الحياتية في الهواء الطلق، وعلى أرفف محلات السوبر ماركت، وفي المقاهي، والأزقة الضيقة، والأحياء الفقيرة والغنية على حدّ سواء، وفي «البسطات» في ممرات الأسواق الشعبية، إلا أن هذا الكتاب لا يصنّف ضمن الكتب الأكثر توزيعاً، ولا يتصدّر قائمتها، ولا يُحتفى به في المناسبات الثقافية، ولا تجلس الحياة كونها مؤلفة ذلك الكتاب والتي تملك حصرياً حقوق الطبع والتوزيع، لا تجلس على منصة التوقيع في احتفال بهيّ لتقوم بتوقيع أهم كتاب عرفته البشرية،

هذا الكتاب الذي ما ان قرأه أحد وذاكره جيداً، إلا وكان طريقاً لنجاته من ويلات كثيرة، وسلِمت أصابعه من التلف جرّاء عضّها ندماً، إلا أن من قرأ ذلك الكتاب رغم أهميته نفر قليل لا يكادون يُذكرون!

مهملٌ ذاك الكتاب، أوراقه الصفراء بالية، وحروف كلماته جافة تشكو العطش، وسطوره تتثاءب مللاً، والذين تصفحوه بدافع الفضول لا أكثر، قاموا برميه في أقرب سلة مهملات.

لا يغرينا ذلك الكتاب بقراءته، ولا نظن أن نفعاً كبيراً قد يأتينا من ورائه، ولا نرى جدوى في إضاعة الوقت بالتمعن في محتواه،

نهمل عادة ذلك الكتاب إما جهلاً أو غروراً،

جهلنا بأهمية كتاب العِبَر يكلفنا غالياً، ندفع ثمنه من خزائن العمر،

أما غرورنا فكثيرا ما كلفنا العمر كله،

بعد فوات الأوان، هي الجملة اللازمة لنا دائماً نتيجة تركنا لذلك الكتاب وسادة هانئة للغبار، وهي الجملة المصاحبة لكل آهة حرّى تلفظها أنفاسنا المحترقة، وهي رماد تكبّرنا عليه،

يدفعنا غرورنا إلى احتقار ذلك الكتاب، والإصرار على تأليف كتاب العِبَر الخاص بنا وبحبر تجاربنا الشخصية، وبدل أن نعتبر من غيرنا نصبح نحن العبرة لغيرنا ممن يريد أن يعتبر،

كل واحد منا يظن أنه مختلف عن كل من سواه، وأنه أذكى ممن سبقه، وأنه قادر على تجنّب الفخ والشرك الذي تنصبه الحياة في طريق ما، فلا يكلّف نفسه حتى بمعرفة مكان ذلك الفخ الذي وقع فيه كل من سار قبله في ذلك الطريق دون أن يقرأ كتاب العبر الذي أهدته له الحياة مجاناً، فيصبح لا مناص له من دفع ثمن تعلّم الدرس بأغلى سعر،

الحياة ليست ذكية،نحن فقط الأغبياء!

الحياة غالباً ما تتبع نفس الأسلوب مع البشر، ونفس التكتيك، ونفس الفعل في كل مرّة، تكاد تغلب النمطية على تصرفاتها، ومع ذلك قليل منا من ينجو من أشراكها وأسلاكها الشائكة،

غرورنا يسوقنا للأخطاء الغبية،

والأهمّ أنه كلما تبوأنا في الحياة مكانة أكبر، ازداد غباؤنا عن طريق ازدياد ثقتنا بعدم حاجتنا لكتاب العبر المجاني الذي تمنحنا إياه الحياة، وازدياد إعراضنا عنه وصدودنا، والنهاية الحتمية واحدة عدا أننا كلما ازددنا ثقة بذلك كان الثمن الذي ندفعه أكثر إيلاما.

back to top