الشاعر الغنائي محمد التنيب... قصائده سهلة ومؤثرة في الوجدان

نشر في 11-08-2012 | 00:01
آخر تحديث 11-08-2012 | 00:01
No Image Caption
عاصر الشاعر الغنائي الراحل محمد التنيب الأغنية الكويتية في بداية انطلاقتها ورافق تطورها الحديث، وله بصمات واضحة فيها، فقد أصبحت أعماله جزءاً من عالم الأغنية، وله موقعه كشاعر أغنية حديثة وقديمة ولونه الناتج من تأثره بالبيئة المحلية أكثر مما تأثر بمعانٍ وكلمات مستوردة من الخارج. كتب الأغنية النبطية الكويتية التي حُددت فيها المعاني الشعبية حتى أصبحت معالم ثقافية لها مدرسة متطورة حديثة.

تميّز التنيب بعطاء فني كبير وقدّم، خلال مسيرته الغنائية، أحلى الأغنيات العاطفية والوطنية والدينية والاجتماعية، عاصر كبار شعراء الكويت وكوّن من احتكاكه المتكرر بهم حصيلة شعرية كبيرة، وساهم في شتى مجالات الأغنية الكويتية التي لها وزنها.

سيرة ذاتية

اسمه الكامل محمد أحمد صالح التنيب من مواليد الكويت (1929). نشأ وترعرع في المرقاب، وعمل والده في الغوص في البحر والسفر. متزوج وله من الأبناء: جاسم، منصور، أحمد، سعد، نبيلة، هيلاء.

عمل موظفاً في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، من ثم في إدارة أملاك الدولة، بدأ الكتابة الشعرية منذ كان في التاسعة عشرة من عمره، مع الشعر النبطي (1948)، ثمرة مجالساته مع شعراء أصدقاء أمثال: جاسم الخراز، زيد الحرب، منصور الخرقاوي، عبد الله الحبيتر، راشد بن عويشر... فغرست في نفسه حبّ الشعر وكتابة الأغنية في شتى أنواعها وألوانها ومجالاتها. من كلماته المميزة في هذا المجال قصيدة «حنا أهل الكويت وأبطالها» يقول فيها:

حنا أهل الكويت وأبطالها

وتاريخنا يشهد بأفعالنا

حنا حمى الدار وحنا رجالها

كم زينت بالكون نور أعلامنا

«موضي» أول قصيدة متكاملة كتبها محمد التنيب، أما أول كلمات أغنية عاطفية كتبها للإذاعة فكانت «يا بنات الريف» وقدمها للفنان القدير عبد الله فضالة، أحد أبرز رواد الأغنية الكويتية القديمة والحديثة، إلا أنه اختلف مع التنيب ولم يغنّها، والسبب أن الشاعر كتب الكلمات أثناء زيارة قام بها لمصر ويقول فيها:

يا بنات الريف يا أجمل بنات

شفت فيكم كل مزيون وظريف

ناعسات فاتنات كاملات

فيما رأى عبد الله فضالة أنها غير مناسبة إذ لا يوجد في الكويت ريف ومزارعون، فطلب من التنيب تغيير مطلع الأغنية فرفض، وقال له: «عندنا مزارعون في الفنطاس»، مع ذلك حصل الأخير من الإذاعة على مبلغ 30 روبية ثمناً للقصيدة.

كانت بداية محمد التنيب الحقيقية عندما طلب منه الفنان القدير ابراهيم الصولة كلمات أغنية عاطفية لتغنيها المطربة حورية سامي، فكانت «يا حبيب القلب» (1961) يقول مطلعها:

يا حبيب القلب ضيعت الفكر

يا نظير العين يا أغلى حبيب

أنت روحي وأنت عمري والفكر

وأنت حظي جان حظي له نصيب

كذلك غنت حورية سامي أكثر من أغنية من كلماته منها: «أبعدوك الناس عني» من تلحين الفنان الراحل عبد الرحمن البعيجان يقول مطلعها:

أبعدوك الناس عني وغيروك

وبدلوا أخلاق حسنك والصفات

تميز شعره بالسهل الممتنع، فكان نبعاً صافياً تلألأ في سماء الأغنية الكويتية، وتعاون معه مطربون عرب من بينهم: وديع الصافي في «آه يا قلبي» من ألحان الراحل عوض دوخي، كارم محمود في «قصيدتي» من ألحان أحمد عبد الكريم، سعاد محمد في «عيون» من ألحان عثمان السيد، بديعة صادق في أغنية من ألحان عبد الرحمن البعيجان، هيام يونس وأحمد الجميري...

كذلك تعاون مع الملحن المصري الكبير كمال الطويل في أغنية «يا طير سامر» غناها الفنان القدير عوض دوخي ويقول فيها:

يا طير سامر قلبي الولهان

غرد بألحان سليني

سلي اللي بالهوى حيران

مالي نصيب والحظ جافيني

مع يوسف الدوخي

في عام 1960 تعرضت دولة الكويت لتهديدات حاكم النظام العراقي في ذلك الوقت عبد الكريم قاسم، وحرك جيشه لاحتلال البلاد، عندها هبّ أهل الكويت للدفاع عن الوطن، فكتب الشاعر محمد التنيب قصيدة غنائية يخاطب فيها الشيخ عبد الله السالم الصباح أمير الكويت الراحل طيب الله ثراه تقول كلماتها :

الشعب والجيش جاك

كل بعمره فداك

كلنا نطلب رضاك

رغم أنف الطامعين

كذلك كتب «تسلم لنا دارنا» من ألحان الفنان الراحل الدكتور يوسف دوخي غنتها المجموعة، يقول في مطلعها:

تسلم لنا دارنا

دار العرب والأبطال

تسلم لنا دارنا

نفدي لها أعمارنا

أرض تربي الرجال

نفدي لها أعمارنا

لم تقتصر علاقة يوسف دوخي بمحمد التنيب على الأغنية الوطنية، فكان لهما تعاون متميز في الأغنية العاطفية في «جار الزمان» ألحان يوسف دوخي وغنائه. وفي أثناء تسجيل الأغنية في استديو إذاعة الكويت بكى دوخي ثلاث مرات وهو ينشد:

جار الزمان وغير الخلان

واللي عاملته طيب عاداني

عقب الوفا من صاحبي هجران

الله يجازيه جان جازاني

أنا أحبه لو جفا شفقان

ودي بشوفت نور الأعياني

انقطاع وعودة

بعد توقف دام أكثر من عشرين سنة عاد محمد التنيب إلى الساحة الغنائية (1993) فنشر في الصحف قصيدة جديدة من الفن السامري يقول فيها:

شيخنا لو طلبت العمر جينا لك

ما انتوانى لو جتنا مطاليبك

لا حشى ما يجيك الشر وينالك

شعب الكويت ما ينسى مجاملك

وفي عام 1997 نشر قصيدة وطنية بعنوان «سند جابر» يقول مطلعها:

نحمد الله بالسلامة

نحمده مجل الغمامة

صيحي وغني يا حمامة

عيدي يا كويت ورزيله أعلامه

كذلك كانت له وقفة رثاء للفنانين حمد الرجيب وسالم الفهاد (1998) اللذين كانا من الأصدقاء المقربين للشاعر التنيب، ومما قال:

يجر القلب نهتات تتاله

امسح دمعتي ما صار فيني

على أصوات من يمي اتعاله

فقيد الدار دار الطيبيني

ومن أصدقاء محمد التنيب أيضاً: يوسف دوخي، عبد الرزاق العدساني، مرجان عبد الله، صالح النافع،عبد الرحمن الضويحي، عبد المحسن المهنا، بدر بورسلي، عبد الرحمن البعيجان، عوض دوخي، سعود الراشد، سلطان عبدالله السلطان، بدر الجاسر، مصطفى أحمد، إبراهيم الصولة، يحيى أحمد، عوض دوخي الذي لحن وغنى من كلماته، كما لحن له عثمان السيد، وغنت من كلماته المطربة الراحلة عائشة المرطة «ابعدوك» من ألحان عبد الرحمن البعيجان وتقول فيها :

ابعدوك الناس عني وغيروك

وبدلوا أخلاق حسنك والصفات

طعتهم يا روح روحي ومرمروك

بدل ما تجيني توصيلي وصات

عانقت كلمات محمد التنيب أصوات رواد الأغنية الكويتية ونجومها في الستينيات والسبعينيات فغنى له: عبد الله فضالة، عوض دوخي، غريد الشاطئ، محمود الكويتي (ما طار طير وارتفع)، سعود الراشد (يوم فات اللي فات والندم يفيدك)، عبد الحميد السيد (آه من سود العيون)، مصطفى أحمد (يا أهل الهوى) من ألحان يوسف المهنا، مبارك المعتوق (لا وين ماشي يا هوى) من ألحان عبد الرزاق العدساني، كذلك غنى له أكثر من فنان من بينهم: ابراهيم الصولة، فيصل عبدالله.

شدوا العزم

بمناسبة الاحتفالات بعيدي الاستقلال والتحرير (1997) أهدى محمد التنيب الشعب الكويتي مجموعة من أشعاره في ديوان «شدوا العزم»، الذي سمي باسم أول قصيدة فيه ويقول مطلعها:

انتبه يا غافل واسمع ما أقول

كلمة رددها جابر وسعد

للشعب لا يصير مطراف وعجول

الركادة والتأني لشعب صمد

يقع الديوان في 136 صفحة من القطع الوسط. كتب المقدمة ابنه الإعلامي جاسم التنيب، ومما قال عن والده: «ترحل الكلمة بين أنامله، فيطرزها قصائد عذبة في هوى الكويت وعشقها»، أضاف: «القصيدة عند محمد التنيب فضاءات متعددة فهو «عاشق» ما برح الوطن بين ضلوعه، وهو المتيّم بحب صبية جدائلها الشمس، ووجهها صفاء البحر، اسمها الكويت».

تضمن ديوانه زهيريات كتبها الشاعر في أغراض عدة نختار منها:

قالوا تصبر واثاري الصبر مر

كل شهر ويوم يا ربعي عليَّ مر

انشد عن الدار وأهلي ومن علينا مر

أنشد عن الدار شللي بوسطها جاري

الجار جاري وفي موطني جاري

النبي وصى على سابع جاري

قلنا سحابه علينا تنجلي وتمر

كذلك تضمن ديوانه أعماله الغنائية وقصائد وطنية، من بينها مطلع قصيدة «قصتنا قصة كبيرة» ألقاها في بداية احتلال الكويت (1990)، يقول مطلعها:

قصتنا قصة كبيرة

قصة الكويت والجزيرة

الله يحفظ كل ديرة

من شرور الطامعين

ثمة قصائد له لم تنشر، خصوصاً تلك التي غناها مطربون عرب، تحديداً الكويتيون، وقد أعطت فكرة إصدار الديوان، وإن جاءت متأخرة، المكتبة الكويتية والباحثين والمهتمين بالفن معلومات عن هذا الشاعر الغنائي الرائد.

وفاته

فقدت الحركة الغنائية الكويتية الأحد في الرابع من يوليو 1999 محمد أحمد التنيب، أحد أبرز رواد الأغنية الكويتية الذي قدم للإذاعة والتلفزيون أعمالاً غنائية وطنية وعاطفية ودينية واجتماعية، ونذر حياته لخدمة وطنه، فكانت كلماته حاضرة في عشق هذه الأرض الطيبة.

عندما توقف عن كتابة الأغاني اقتصر إنتاجه على كتابة القصيدة الوطنية، وفي السنوات الأخيرة من عمره فقد بصره، لكنه ظل يكتب ويتفاعل مع قضايا وطنه فكتب قصيدة «لا وحق البيت اللي به نطوف»، في ذكرى الاحتلال العراقي الغاشم، يقول مطلعها:

لا وحق البيت اللي به نطوف

ونتعبد فيه ليل مع نهار

كويتنا كلنا لها مع نهار

ما نخاف من الصواريخ والدمار

وقد رثاه سالم صالح التنيب وقال فيه:

يابو جاسم هزني حيل فرقاك

فرقا حبيب ساكن بالقلب ومعشوق

فراق طويل واللحد صار مرساك

هذا الطريق اللي عليه الناس اسبوق

رثاه الشاعر أحمد عبد الرحمن التنيب وقال عنه:

رأيت وجهك يملأه الضياء

فكل امرئ اجر ما عمل

وجدت الدنيا يملأها الرثاء

عمي ووالدي قد رحل

كان الشاعر الغنائي محمد التنيب من رواد الإبداع في مسيرة الحركة الغنائية الكويتية الحديثة وكان بحق صديقاً وفياً لزملائه الفنانين وشاعراً رائعاً.

من أقواله

• مستوى الأغنية الآن يتدهور لأن المصلحة الشخصية أصبحت هي المعيار الذي تسير عليه الأمور.

• شهدت الأغنية الخليجية عموماً والكويتية خصوصاً في فترة الستينيات على أيدي الرواد الأوائل نهضة وتطوراً كبيرين، لكنها ما لبثت أن ارتدت إلى الخلف في ما يشبه النكسة، لأن مبدأ الفن للفن اختفى من الساحة وحلّ محله مبدأ أو رغبة الفن للثراء والمادة والتكسب.

• قدمت الأغنية الكويتية أنماطاً جيدة على أيدي من سبقونا، فتأثروا بالبيئة وعرضوا تراثنا ومشاكلنا من خلال كلمات أغان رقيقة بعيدة عن الصنعة والتكلف، أغاني البحر والبر والسامري والتراث الشعبي، أما الآن فبدأت الأغنية الكويتية تنحدر انحداراً واضحاً لأننا نستورد كلمات دخيلة على لهجتنا، ولكن يجب العودة سريعاً إلى التراث لننهل منه بوفرة وكثافة حتى نحقق تطور أغنيتنا على الوجه الذي نطمح إليه ونرتضيه.

• أعتقد أن الفنان الناجح يحمل رسالة كبيرة على عاتقه في أكثر من مجال وليس في مجال الفن وحده.

• أعتقد أن أحسن طريقة لتطوير الأغنية هي فتح الباب أمام الجميع ليشاركوا ويساهموا في هذا المجال الحيوي الهام.

• لا ينبع الفن إلا من نفوس طيبة كريمة تؤثر العطاء على الأخذ.

• على الفنان أن يقدم الفن الجيد الذي يرتقي بأذواق الناس وينقي مشاعرهم ويطوّر أحساسهم بالمسؤولية نحو الوطن والمواطن على حد سواء.

• عندما أرى شيئاً في الأغنية لا يعجبني أغيره حتى ولو كانت مجازة.

• ارتباطي المباشر مع الملحن، وهو يختار المطرب الذي يمكن أن يعبر عن أحاسيسه.

• الغالبية انجرفت وراء الأغاني السريعة التي تتماشى مع العصر كما يقول الشباب.

• الشاعر عادة يمثل بلده في الخارج أكثر مما يمثله في الداخل.

• كانت علاقاتنا قوية والجميع في حالة من الحب والتعاون والترابط.

• الأصالة موجودة، لكن التمسّك بها غير موجود.

• شعر القلطة هو شعر محكم وسريع الرد فيه على الشاعر المقابل، وقد عاصرت هذا اللون واشتركت فيه كثيراً في تبادل المقاطع الشعرية التي تسرّ سامعيها وتبهجهم.

• الشاعر أو الكاتب لم يحدد له زمان ومكان في كتابة الأغنية وإنما قريحته تنفجر في مواسم غوص البحر، وقد تنفجر في أي وقت ولا تربطه أي قوانين، إنما تنحو الآراء والأفكار إلى عمل شعري وثقافي.

back to top