الشاعر الغنائي محمد التنيب... قصائده سهلة ومؤثرة في الوجدان
عاصر الشاعر الغنائي الراحل محمد التنيب الأغنية الكويتية في بداية انطلاقتها ورافق تطورها الحديث، وله بصمات واضحة فيها، فقد أصبحت أعماله جزءاً من عالم الأغنية، وله موقعه كشاعر أغنية حديثة وقديمة ولونه الناتج من تأثره بالبيئة المحلية أكثر مما تأثر بمعانٍ وكلمات مستوردة من الخارج. كتب الأغنية النبطية الكويتية التي حُددت فيها المعاني الشعبية حتى أصبحت معالم ثقافية لها مدرسة متطورة حديثة.
تميّز التنيب بعطاء فني كبير وقدّم، خلال مسيرته الغنائية، أحلى الأغنيات العاطفية والوطنية والدينية والاجتماعية، عاصر كبار شعراء الكويت وكوّن من احتكاكه المتكرر بهم حصيلة شعرية كبيرة، وساهم في شتى مجالات الأغنية الكويتية التي لها وزنها.سيرة ذاتيةاسمه الكامل محمد أحمد صالح التنيب من مواليد الكويت (1929). نشأ وترعرع في المرقاب، وعمل والده في الغوص في البحر والسفر. متزوج وله من الأبناء: جاسم، منصور، أحمد، سعد، نبيلة، هيلاء.عمل موظفاً في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، من ثم في إدارة أملاك الدولة، بدأ الكتابة الشعرية منذ كان في التاسعة عشرة من عمره، مع الشعر النبطي (1948)، ثمرة مجالساته مع شعراء أصدقاء أمثال: جاسم الخراز، زيد الحرب، منصور الخرقاوي، عبد الله الحبيتر، راشد بن عويشر... فغرست في نفسه حبّ الشعر وكتابة الأغنية في شتى أنواعها وألوانها ومجالاتها. من كلماته المميزة في هذا المجال قصيدة «حنا أهل الكويت وأبطالها» يقول فيها:حنا أهل الكويت وأبطالهاوتاريخنا يشهد بأفعالناحنا حمى الدار وحنا رجالهاكم زينت بالكون نور أعلامنا«موضي» أول قصيدة متكاملة كتبها محمد التنيب، أما أول كلمات أغنية عاطفية كتبها للإذاعة فكانت «يا بنات الريف» وقدمها للفنان القدير عبد الله فضالة، أحد أبرز رواد الأغنية الكويتية القديمة والحديثة، إلا أنه اختلف مع التنيب ولم يغنّها، والسبب أن الشاعر كتب الكلمات أثناء زيارة قام بها لمصر ويقول فيها:يا بنات الريف يا أجمل بناتشفت فيكم كل مزيون وظريفناعسات فاتنات كاملاتفيما رأى عبد الله فضالة أنها غير مناسبة إذ لا يوجد في الكويت ريف ومزارعون، فطلب من التنيب تغيير مطلع الأغنية فرفض، وقال له: «عندنا مزارعون في الفنطاس»، مع ذلك حصل الأخير من الإذاعة على مبلغ 30 روبية ثمناً للقصيدة.كانت بداية محمد التنيب الحقيقية عندما طلب منه الفنان القدير ابراهيم الصولة كلمات أغنية عاطفية لتغنيها المطربة حورية سامي، فكانت «يا حبيب القلب» (1961) يقول مطلعها:يا حبيب القلب ضيعت الفكريا نظير العين يا أغلى حبيبأنت روحي وأنت عمري والفكروأنت حظي جان حظي له نصيبكذلك غنت حورية سامي أكثر من أغنية من كلماته منها: «أبعدوك الناس عني» من تلحين الفنان الراحل عبد الرحمن البعيجان يقول مطلعها:أبعدوك الناس عني وغيروكوبدلوا أخلاق حسنك والصفاتتميز شعره بالسهل الممتنع، فكان نبعاً صافياً تلألأ في سماء الأغنية الكويتية، وتعاون معه مطربون عرب من بينهم: وديع الصافي في «آه يا قلبي» من ألحان الراحل عوض دوخي، كارم محمود في «قصيدتي» من ألحان أحمد عبد الكريم، سعاد محمد في «عيون» من ألحان عثمان السيد، بديعة صادق في أغنية من ألحان عبد الرحمن البعيجان، هيام يونس وأحمد الجميري...كذلك تعاون مع الملحن المصري الكبير كمال الطويل في أغنية «يا طير سامر» غناها الفنان القدير عوض دوخي ويقول فيها:يا طير سامر قلبي الولهانغرد بألحان سلينيسلي اللي بالهوى حيرانمالي نصيب والحظ جافينيمع يوسف الدوخيفي عام 1960 تعرضت دولة الكويت لتهديدات حاكم النظام العراقي في ذلك الوقت عبد الكريم قاسم، وحرك جيشه لاحتلال البلاد، عندها هبّ أهل الكويت للدفاع عن الوطن، فكتب الشاعر محمد التنيب قصيدة غنائية يخاطب فيها الشيخ عبد الله السالم الصباح أمير الكويت الراحل طيب الله ثراه تقول كلماتها :الشعب والجيش جاككل بعمره فداككلنا نطلب رضاكرغم أنف الطامعينكذلك كتب «تسلم لنا دارنا» من ألحان الفنان الراحل الدكتور يوسف دوخي غنتها المجموعة، يقول في مطلعها:تسلم لنا دارنادار العرب والأبطالتسلم لنا دارنانفدي لها أعمارناأرض تربي الرجالنفدي لها أعمارنالم تقتصر علاقة يوسف دوخي بمحمد التنيب على الأغنية الوطنية، فكان لهما تعاون متميز في الأغنية العاطفية في «جار الزمان» ألحان يوسف دوخي وغنائه. وفي أثناء تسجيل الأغنية في استديو إذاعة الكويت بكى دوخي ثلاث مرات وهو ينشد:جار الزمان وغير الخلانواللي عاملته طيب عادانيعقب الوفا من صاحبي هجرانالله يجازيه جان جازانيأنا أحبه لو جفا شفقانودي بشوفت نور الأعيانيانقطاع وعودةبعد توقف دام أكثر من عشرين سنة عاد محمد التنيب إلى الساحة الغنائية (1993) فنشر في الصحف قصيدة جديدة من الفن السامري يقول فيها:شيخنا لو طلبت العمر جينا لكما انتوانى لو جتنا مطاليبكلا حشى ما يجيك الشر وينالكشعب الكويت ما ينسى مجاملكوفي عام 1997 نشر قصيدة وطنية بعنوان «سند جابر» يقول مطلعها:نحمد الله بالسلامةنحمده مجل الغمامةصيحي وغني يا حمامةعيدي يا كويت ورزيله أعلامهكذلك كانت له وقفة رثاء للفنانين حمد الرجيب وسالم الفهاد (1998) اللذين كانا من الأصدقاء المقربين للشاعر التنيب، ومما قال: يجر القلب نهتات تتالهامسح دمعتي ما صار فينيعلى أصوات من يمي اتعالهفقيد الدار دار الطيبينيومن أصدقاء محمد التنيب أيضاً: يوسف دوخي، عبد الرزاق العدساني، مرجان عبد الله، صالح النافع،عبد الرحمن الضويحي، عبد المحسن المهنا، بدر بورسلي، عبد الرحمن البعيجان، عوض دوخي، سعود الراشد، سلطان عبدالله السلطان، بدر الجاسر، مصطفى أحمد، إبراهيم الصولة، يحيى أحمد، عوض دوخي الذي لحن وغنى من كلماته، كما لحن له عثمان السيد، وغنت من كلماته المطربة الراحلة عائشة المرطة «ابعدوك» من ألحان عبد الرحمن البعيجان وتقول فيها :ابعدوك الناس عني وغيروكوبدلوا أخلاق حسنك والصفاتطعتهم يا روح روحي ومرمروكبدل ما تجيني توصيلي وصاتعانقت كلمات محمد التنيب أصوات رواد الأغنية الكويتية ونجومها في الستينيات والسبعينيات فغنى له: عبد الله فضالة، عوض دوخي، غريد الشاطئ، محمود الكويتي (ما طار طير وارتفع)، سعود الراشد (يوم فات اللي فات والندم يفيدك)، عبد الحميد السيد (آه من سود العيون)، مصطفى أحمد (يا أهل الهوى) من ألحان يوسف المهنا، مبارك المعتوق (لا وين ماشي يا هوى) من ألحان عبد الرزاق العدساني، كذلك غنى له أكثر من فنان من بينهم: ابراهيم الصولة، فيصل عبدالله.شدوا العزمبمناسبة الاحتفالات بعيدي الاستقلال والتحرير (1997) أهدى محمد التنيب الشعب الكويتي مجموعة من أشعاره في ديوان «شدوا العزم»، الذي سمي باسم أول قصيدة فيه ويقول مطلعها:انتبه يا غافل واسمع ما أقولكلمة رددها جابر وسعدللشعب لا يصير مطراف وعجولالركادة والتأني لشعب صمديقع الديوان في 136 صفحة من القطع الوسط. كتب المقدمة ابنه الإعلامي جاسم التنيب، ومما قال عن والده: «ترحل الكلمة بين أنامله، فيطرزها قصائد عذبة في هوى الكويت وعشقها»، أضاف: «القصيدة عند محمد التنيب فضاءات متعددة فهو «عاشق» ما برح الوطن بين ضلوعه، وهو المتيّم بحب صبية جدائلها الشمس، ووجهها صفاء البحر، اسمها الكويت».تضمن ديوانه زهيريات كتبها الشاعر في أغراض عدة نختار منها:قالوا تصبر واثاري الصبر مركل شهر ويوم يا ربعي عليَّ مرانشد عن الدار وأهلي ومن علينا مرأنشد عن الدار شللي بوسطها جاريالجار جاري وفي موطني جاريالنبي وصى على سابع جاريقلنا سحابه علينا تنجلي وتمركذلك تضمن ديوانه أعماله الغنائية وقصائد وطنية، من بينها مطلع قصيدة «قصتنا قصة كبيرة» ألقاها في بداية احتلال الكويت (1990)، يقول مطلعها:قصتنا قصة كبيرةقصة الكويت والجزيرةالله يحفظ كل ديرةمن شرور الطامعينثمة قصائد له لم تنشر، خصوصاً تلك التي غناها مطربون عرب، تحديداً الكويتيون، وقد أعطت فكرة إصدار الديوان، وإن جاءت متأخرة، المكتبة الكويتية والباحثين والمهتمين بالفن معلومات عن هذا الشاعر الغنائي الرائد.وفاتهفقدت الحركة الغنائية الكويتية الأحد في الرابع من يوليو 1999 محمد أحمد التنيب، أحد أبرز رواد الأغنية الكويتية الذي قدم للإذاعة والتلفزيون أعمالاً غنائية وطنية وعاطفية ودينية واجتماعية، ونذر حياته لخدمة وطنه، فكانت كلماته حاضرة في عشق هذه الأرض الطيبة.عندما توقف عن كتابة الأغاني اقتصر إنتاجه على كتابة القصيدة الوطنية، وفي السنوات الأخيرة من عمره فقد بصره، لكنه ظل يكتب ويتفاعل مع قضايا وطنه فكتب قصيدة «لا وحق البيت اللي به نطوف»، في ذكرى الاحتلال العراقي الغاشم، يقول مطلعها:لا وحق البيت اللي به نطوفونتعبد فيه ليل مع نهاركويتنا كلنا لها مع نهارما نخاف من الصواريخ والدماروقد رثاه سالم صالح التنيب وقال فيه:يابو جاسم هزني حيل فرقاكفرقا حبيب ساكن بالقلب ومعشوقفراق طويل واللحد صار مرساكهذا الطريق اللي عليه الناس اسبوقرثاه الشاعر أحمد عبد الرحمن التنيب وقال عنه:رأيت وجهك يملأه الضياءفكل امرئ اجر ما عملوجدت الدنيا يملأها الرثاءعمي ووالدي قد رحلكان الشاعر الغنائي محمد التنيب من رواد الإبداع في مسيرة الحركة الغنائية الكويتية الحديثة وكان بحق صديقاً وفياً لزملائه الفنانين وشاعراً رائعاً.من أقواله• مستوى الأغنية الآن يتدهور لأن المصلحة الشخصية أصبحت هي المعيار الذي تسير عليه الأمور.• شهدت الأغنية الخليجية عموماً والكويتية خصوصاً في فترة الستينيات على أيدي الرواد الأوائل نهضة وتطوراً كبيرين، لكنها ما لبثت أن ارتدت إلى الخلف في ما يشبه النكسة، لأن مبدأ الفن للفن اختفى من الساحة وحلّ محله مبدأ أو رغبة الفن للثراء والمادة والتكسب.• قدمت الأغنية الكويتية أنماطاً جيدة على أيدي من سبقونا، فتأثروا بالبيئة وعرضوا تراثنا ومشاكلنا من خلال كلمات أغان رقيقة بعيدة عن الصنعة والتكلف، أغاني البحر والبر والسامري والتراث الشعبي، أما الآن فبدأت الأغنية الكويتية تنحدر انحداراً واضحاً لأننا نستورد كلمات دخيلة على لهجتنا، ولكن يجب العودة سريعاً إلى التراث لننهل منه بوفرة وكثافة حتى نحقق تطور أغنيتنا على الوجه الذي نطمح إليه ونرتضيه.• أعتقد أن الفنان الناجح يحمل رسالة كبيرة على عاتقه في أكثر من مجال وليس في مجال الفن وحده.• أعتقد أن أحسن طريقة لتطوير الأغنية هي فتح الباب أمام الجميع ليشاركوا ويساهموا في هذا المجال الحيوي الهام.• لا ينبع الفن إلا من نفوس طيبة كريمة تؤثر العطاء على الأخذ.• على الفنان أن يقدم الفن الجيد الذي يرتقي بأذواق الناس وينقي مشاعرهم ويطوّر أحساسهم بالمسؤولية نحو الوطن والمواطن على حد سواء.• عندما أرى شيئاً في الأغنية لا يعجبني أغيره حتى ولو كانت مجازة.• ارتباطي المباشر مع الملحن، وهو يختار المطرب الذي يمكن أن يعبر عن أحاسيسه.• الغالبية انجرفت وراء الأغاني السريعة التي تتماشى مع العصر كما يقول الشباب.• الشاعر عادة يمثل بلده في الخارج أكثر مما يمثله في الداخل.• كانت علاقاتنا قوية والجميع في حالة من الحب والتعاون والترابط.• الأصالة موجودة، لكن التمسّك بها غير موجود.• شعر القلطة هو شعر محكم وسريع الرد فيه على الشاعر المقابل، وقد عاصرت هذا اللون واشتركت فيه كثيراً في تبادل المقاطع الشعرية التي تسرّ سامعيها وتبهجهم.• الشاعر أو الكاتب لم يحدد له زمان ومكان في كتابة الأغنية وإنما قريحته تنفجر في مواسم غوص البحر، وقد تنفجر في أي وقت ولا تربطه أي قوانين، إنما تنحو الآراء والأفكار إلى عمل شعري وثقافي.