في الـ"هوجة" الدائمة في الكويت بسبب الأزمات السياسية التي نشعلها بلا توقف على ساحتنا المحلية، ومعاركنا السرمدية للدفاع عن دستور 1962 الذي يدّعي الكل وصاله وعشقه، والتي تتسبب في عدم متابعتنا لقضايا كبيرة تمس أمننا الوطني، وسط ذلك أعلن منذ ثلاثة أيام  تقرير بالغ الأهمية لوكالة الطاقة الدولية يفيد بقرب تجاوز الإنتاج النفطي للولايات المتحدة الأميركية لإنتاج المملكة العربية السعودية وتحولها إلى تصدير النفط، واقترابها كذلك من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، وتحول اهتماماتها بشأن النفط إلى الجزء الغربي من الكرة الأرضية وبصفة خاصة حليفها الوثيق وجارتها المسالمة كندا.

Ad

وبرغم أن التقرير يحمل نفساً شديداً من التفاؤل فإن الحقائق تشير إلى قرب تحقيق واشنطن لهذا الحلم، متجاهلة الاعتراضات البيئية على التوسع في استخدام الحجر الزيتي في إنتاج النفط، وكذلك اعتراضات منظمة الغذاء الدولية في استخدام محاصيل غذائية رئيسية في إنتاج الطاقة لما يسببه ذلك من ارتفاع أسعار المواد الغذائية. إذاً أميركا تقترب من الانعتاق من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط وستبدأ تدريجياً بخفض وارداتها النفطية من السعودية والكويت ودول أخرى شرق أوسطية حتى تتوقف تماماً في عام 2017 عن استيراد النفط العربي، وهو العام الذي يتوقع تقرير الوكالة الدولية للطاقة أن تزيح الولايات المتحدة فيه السعودية عن قمة الدول المنتجة للنفط وتتجاوز روسيا بفارق كبير.

ما أعلن عنه التقرير من استغناء أميركا عن نفطنا في عام 2017 وهو تاريخ قريب جداً، وتحقيقها للاكتفاء الذاتي في عام 2035 لا يفزعنا اقتصادياً، وإن كان يتطلب انتباهنا، إذ إن الطلب على الطاقة آسيويا في تصاعد والعملاق الصيني يعتمد حالياً بنسبة 58 في المئة على النفط المستورد بالإضافة إلى متطلبات القارة الهندية المتنامية وكذلك دول النمور الآسيوية، ولكن المقلق في التقرير هو البعد الأمني، فاهتمام الولايات المتحدة الذي يبتعد اهتمامها عن المنطقة تدريجياً سيليه انسحاب متزامن للتواجد العسكري في الخليج وهو الأمر المتوقع بعد الجدل الدائم منذ 25 عاماً في أميركا بشأن مقايضة النفط بدماء أبنائه الذين قاتلوا في المنطقة وحولها لتأمين الإمدادات النفطية لها وللعالم، وهو التوجه الذي تبثه إدارة أوباما الديمقراطية في معاهد الأبحاث والدراسات الاستراتيجية بتقليص التواجد الأميركي في المنطقة مع استمرار دعم الحليف الأصيل لها وهو إسرائيل دون التورط المباشر فيها.

المهم في تداعيات هذا التقرير، هو الفراغ الأمني الذي سيخلقه الانسحاب الأميركي من منطقة الخليج العربي... ومن سيملأه؟ وهو التساؤل الذي يتم تداوله بين المراقبين السياسيين والعسكريين، إذ يرجحون أن يكون ذلك التساؤل محوراً جديداً يخلق بين الدول الآسيوية المتعطشة للنفط شريكا في المنطقة لملء ذلك الفراغ، ستكون مكوناته على الأرجح، الصين والهند وإيران،  خصوصاً أن الصين أصبحت قريبة من المنطقة من خلال قواتها البحرية العاملة في بحر العرب والبحر الأحمر لمحاربة عمليات القرصنة هناك التي تنطلق من الشواطئ الصومالية. المهم أن الوضع سيكون بالغ الحساسية والأهمية في السنوات المقبلة، ويتطلب من الدول الصغيرة التي بحجمنا أن تفتح أعينها على ما يجري حولها لتؤمن بقاءها وأمنها وتنسج تحالفات وتضع تدابير حتى لا تباغت بأحداث تهدد وجودها، لذا نتمنى مع الصخب الدائر حول قضايانا الداخلية أن يتداعى مفكرونا والمتخصصون في مناقشة تلك التطورات، وبودنا لو انطلقت حلقات نقاشية حول تطورات استغناء أميركا عن نفط الخليج وأثره علينا من أمثال د. عبدالرضا أسيري وسامي الفرج ومحمد الحرمي وحجاج بوخضور وغيرهم من أصحاب الاختصاص.