لمناسبة انطلاق تظاهرة «أجمل أيام حياتي» المكرسة للأفلام اللبنانية في ستينيات القرن الفائت وسبعينياته، أقامت جمعية «متروبوليس» معرضاً ضمَّ 24 ملصقاً من مجموعة الناشر عبودي أبو جودة، ويستمر حتى نهاية التظاهرة في 22 من يونيو الجاري.
قدر للناشر اللبناني عبودي أبو جودة أن يقبض على الزمن من خلال جمعه ملصقات السينما العربية والأجنبية أيام زمان في مكتبته، لم يكن الناشر هاوي جمع الملصقات يتوقع أنها ستغدو مع الأيام ثروة ثقافية يتبارى منظمو المهرجانات والمواسم على عرضها في المناسبات والتظاهرات الثقافية والسينمائية. تلك الملصقات القديمة التي غابت عن واجهات السينما اليوم باتت أشبه بأقنعة تدل على زمن غابر، تحمل في طياتها إشارات إلى التحولات التي طرأت على عالم الميديا والصورة والرسم، بل تدل على التحول في السينما نفسها، فهي باتت في مرحلة التصوير بطريقة تسمى «ثلاثية الأبعاد» والتي أتت بعد موجة السينما المنزلية التي كسرت هالة الصالة وعتمتها.كان الملصق الملون بألوان حادة وبراقة وجذابة يروج للأفلام السينمائية العربية والأجنبية، نرى صورة البطل في مشهدية مؤثرة تتراوح بين الإغراء والقوة والرومنسية، كأن الملصق هو صلة الوصل الأولى بيننا وبين الفيلم داخل الصالة، أحياناً يكون لرسام الملصق قدرته على خداعنا من خلال طريقته في إبراز مشهد ساحر.ما فعله أبو جودة أنه صنع سيرته الخاصة عن الملصقات القديمة، صار لكل ملصق في ذاكرته حكايته الخاصة، خصوصاً أن السينمات القديمة في شارع الحمرا وأمكنة أخرى من بيروت أصبحت الآن مقفلة أو تحولت إلى متاجر للأحذية والألبسة أو انتقلت إلى التجمعات التجارية (المولات). لم يبق من صالات السينما القديمة سوى الذكريات والملصقات التي يقتنيها أبو جودة في منزله منذ عام 1974 أي قبل سنة من الحرب الأهلية، ولم يكن يهدف إلى إقامة مشروع من تلك الملصقات، كانت الهواية سباقة على الهدف، لكن الآن يقطف أبو جودة ثمرة الهواية الجميلة، ينتظر أن يجمع ملصقاته ويوثقها بطريقة علمية من خلال كتاب يؤرخ لمسار السينما العربية، والراجح ان المشروع يحتاج إلى تمويل.حين بادر أبو جودة إلى جمع تلك الملصقات، كان اهتمامه ينحصر في جمع صور الممثلين الذين يحبّهم. مع دخوله مهنة الطباعة ونشر الكتب العربية، لفتت انتباهه تقنيات الملصق السينمائي. لاحظ أن طباعته ليست سهلة. كانت الملصقات تُطبع في مصر بواسطة ماكينات قديمة تعود إلى الثلاثينيات، تطبع كل لون على حدة. وقد تستغرق هذه العملية 25 يوم طباعة، ولم تنتقل الطباعة إلى بيروت إلا في الثمانينيات مع آلة «الأوفست» التي كانت تطبع الملصق مرة واحدة بألوانه كافة...وصل عدد ملصقات أبو جودة إلى الآلاف وهي محفوظة في بيته، كتبت عنها مجموعة مقالات في الصحف أو في وكالات الأنباء، وهذه الكتابات ساهمت إلى حد كبير في تسليط الضوء على ظاهرة اقتناء الملصقات، إذ تبين أن كثيرين لديهم هذه الهواية، من بينهم ابراهيم الهندي في طرابلس الذي طبع ملصقات عبد الحليم حافظ في السينمات الطرابلسية ولديه ملصقات فريد الأطرش ينتظر أن يطبعها في كتاب خاص، وفي «غاليري 6» عرضت بليندا ابراهيم أكثر من 75 ملصقاً لأفلام أثرت فيها وطبعت ذاكرتها، لا سيما العاطفية منها.طابع بوليسيلعل كل ملصق سينمائي بات أشبه بـ{الحكواتي»، وهذا ما يتجلى في الملصقات التي عرضها أبو جودة في مناسبة تظاهرة «أجمل أيام حياتي». يقول الناقد محمود الزيباوي: «يغلب الطابع البوليسي على بعض الملصقات، كما في «الجاكوار السوداء» (1965)، «بيروت صفر 11» (1966) و{انتربول في بيروت» (1967). ويغلب طابع الإثارة الأنثوية على البعض الآخر، كما في «فاتنة الجماهير» (1964) و{غيتار الحب» (1973). ويظهر طابع الإثارة الرياضية في حالة نادرة، في ملصق «الجبابرة» (1965) حيث يتصدر المشهد بطلا الفيلم المصارعان جان وأندره سعادة، ويظهر اسماهما أكبر من اسمي بطلتي الفيلم، طروب وملك سكر. يحتل نجم الفيلم الجزء الأكبر من الملصق في عدد آخر من هذه المجموعة الصغيرة».ولطالما كان السؤال عن هوية الذين يرسمون الملصقات في لبنان ومصر، فهم أشبه بجنود يعملون في الظل، يرسمون النجوم ونادراً ما نرى صورهم أو نعرفهم. في الإطار، يوقعون على أعمالهم ولا يقيمون معارض لرسوماتهم التي تنتمي إلى فن الـ{بوب آرت» والـ{كيتش» إذ جاز التعبير، وما يلاحظ في الملصقات القديمة أنه كانت تغلب على الجزء الأكبر منها تقنية الرسم والتلوين اليدوي، ولا تدخل الصورة الفوتوغرافية إلا في مرحلة متأخرة كما يبدو. واليوم مع رواج ثقافة الغرافيك ديزاين ماتت الملصقات اليدوية وباتت أقرب إلى الكائنات المتحفية.
توابل - ثقافات
ملصقات عبودي أبو جودة... أجمل أيام حياتي
20-06-2012