الرئيس الجديد الذي سيستقبله المصريون اليوم هو الرئيس الرابع بعد انقلاب يوليو 1952، الذي أنهى النظام الملكي واستبدله بنظام أعطي اسم "الثورة"، سيطر عليه "البكباشي" جمال عبدالناصر في عام 1954، وهكذا وإذا جاء الفوز إلى جانب الفريق أحمد شفيق فإنه يعني أن كل هؤلاء الرؤساء الأربعة هم من المؤسسة العسكرية التي دأبت على تحديد التوجهات السياسية في البلاد منذ ثورة عرابي في 1881. ومع أن هذا السؤال لن يقدم ولن يؤخر إلا أنه بالإمكان طرحه في هذه المناسبة، والتساؤل عما من الممكن أن يكون عليه وضع مصر الآن لو أن هذا الانقلاب لم يقع، وماذا لو أن النظام الملكي لايزال قائماً واكتفى "الضباط الأحرار" بإلزام الملك فاروق بالإصلاحات التي كانوا ينادون بها، وحقيقة إنها كانت ضرورية ولازمة في ذلك الحين...؟! وهذا ينطبق في حقيقة الأمر على ليبيا التي جثم معمر القذافي على صدرها أكثر من أربعين عاماً، وأذاقها باسم تلك الثورة، التي لا أعادها الله، الأمرين، وينطبق على سورية، التي بعد إلغاء ملكيتها تحت ضغط التقاسم الوظيفي بين المستعمرين الفرنسيين والبريطانيين وشركائهم في ذلك الحين ما لبثت أن أصبحت بأيدي ضباط الانقلابات المتعاقبة، وكلها سميت ثورات بالطبع، فوصلت إلى ما هي عليه الآن من أوضاع مأساوية قد تأخذها إلى التشظي والانقسام، كما أنه ينطبق على العراق وأيضاً على اليمن الذي شهد منذ انقلاب السّلال سلسلة تصفيات متلاحقة، وشهدت ثلاث حروب بين الشمال والجنوب، وانتهت إلى هذه الحرب المكلفة مع "القاعدة"، بينما أوجاع التخلص من علي عبدالله صالح لاتزال لم تنته بعد. في عام 1952 كانت مصر تعيش حياة سياسية وحزبية "معقولة"، في ظل أوضاع ذلك الوقت، وكانت الحريات العامة لا بأس بها، وكان هناك تداول على السلطة، وإن بحدود معينة، كما كان هناك "برلمان" شهد صولات وجولات بين قوى ديمقراطية حقيقية، وبالطبع فقد كانت هناك صحافة فاعلة، وكان القمع الذي عرفه المصريون في عهد صلاح نصر وما بعده يكاد يكون معدوماً ولا وجود له. والسؤال الذي من الممكن طرحه الآن، ولو من قبيل الرياضة الذهنية، هو ماذا يا ترى من الممكن أن تكون عليه أوضاع مصر الآن لو أن "الضباط الأحرار" لم يقوموا بانقلابهم العسكري باسم فلسطين وبحجة الأسلحة الفاسدة؟ وماذا لو أن النظام الملكي لم تتم إطاحته وجرى تطوير ديمقراطيته المحدودة... بل، وهذا هو السؤال الكبير، ماذا لو أن مصر لم يختطفها العسكر لكل هذه السنوات الطويلة التي بقيت خلالها الحريات العامة غائبة وبقيت الأوضاع الاقتصادية متردية وبائسة، وتمكنت إسرائيل من استكمال احتلال الوطن الفلسطيني كله، بل وفوق ذلك احتلت سيناء كلها ووصلت إلى قناة السويس...؟! ثم ماذا لو أن انقلاب عبدالكريم قاسم عام 1958 لم يحدث، ولو أن العراق الآن لايزال نظاماً ملكياً متسامحاً وغير دموي ومقبولاً من معظم مكونات المجتمع العراقي...؟ ماذا لو أن كل هذه الانقلابات الدموية، التي كلها سميت ثورات! لم تقع، وماذا لو تم تطوير النظام السياسي في العهد الملكي تدريجياً وسلمياً...؟ أليس هذه الدولة، التي تسبح في محيط من الخيرات، الآن في مستوى فرنسا وإيطاليا وأفضل الدول الأوروبية، وهذا ينطبق أيضاً على سورية، التي أوصلتها ثورات الانقلابات العسكرية إلى هذه الأوضاع المأساوية والمخيفة التي وصلت إليها...؟!
Ad