أوباما وورقة الصين

نشر في 24-07-2012
آخر تحديث 24-07-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت وفقاً لبيانات مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) في الولايات المتحدة فإن صافي ثروات الأميركيين تراجع بنسبة 40% منذ عام 2007، عائداً إلى مستواه في عام 1992، وسيكون التقدم نحو التعافي بطيئاً وصعباً، وسيكون اقتصاد الولايات المتحدة ضعيفاً طيلة الفترة السابقة للانتخابات الرئاسية والتشريعية. تُرى هل يستطيع أي شاغل منصب حالي- خصوصاً الرئيس باراك أوباما- أن يفوز بإعادة انتخابه في مثل هذه الظروف؟

لا شك أن المسؤولية عن الوعكة التي تعانيها أميركا اليوم تقع على عاتق أسلاف أوباما: بيل كلينتون الذي شجع بنك الاحتياطي الفيدرالي على التغافل عن تنظيم السوق المالية والإشراف عليها، وجورج دبليو بوش الذي خاض حروباً باهظة التكاليف أضافت قدراً كبيراً إلى الديون الحكومية الأميركية، ولكن إذا جاء يوم الانتخابات، فإن العديد من الأميركيين (إن لم يكن أغلبهم) يتجاهلون على الأرجح التاريخ الحديث ويصوتون ضد الرئيس الحالي. وعلى هذه الخلفية، فمن غير المستغرب أن يبحث أوباما وغيره من المسؤولين في إدارته عن قضايا غير اقتصادية ينشطون بها حملته الانتخابية، ولعل المشاكل المتعلقة بالأمن القومي عموماً، والتحدي الذي تفرضه الصين بشكل خاص، تتخذ هيئة القضايا المطلوبة من هذا النوع على وجه التحديد.

كانت سياسات أوباما الخارجية والدفاعية قوية عنيفة، على أقل تقدير، خصوصاً في الشرق الأوسط ومنطقة الباسيفيكي، فقد أقر عدداً من هجمات الطائرات بدون طيار أكثر من تلك التي أجازها بوش؛ وسمح بتمديد "تطفل الأجهزة الأمنية على الحياة الخاصة للأميركيين"؛ وسمح لوكالة الاستخبارات المركزية بمواصلة برنامج تسليم المتهمين؛ ووافق على محاكمة المتهمين بالإرهاب بواسطة محاكم عسكرية معيبة؛ ولم يغلق معتقل غوانتنامو.

فضلاً عن ذلك فإن الولايات المتحدة تكثف من وجود قواتها في منطقة الباسيفيكي في وقت أصبح لها في المنطقة بالفعل قوة عسكرية أكبر من قوات كل الدول الأخرى مجتمعة، والآن تتمركز ست حاملات طائرات، وسفن الدعم المرافقة لها- 60% من سلاح البحرية الأميركي بالكامل- في المحيط الهادئ.

وكانت إدارة أوباما بالإضافة إلى ذلك تجري محادثات مع الفلبين لزيادة وتعزيز التعاون البحري معها، كما تم إقناع سنغافورة باستضافة أربع سفن بحرية متطورة. وأنشأت أستراليا قاعدة لمشاة البحرية الأميركية في دارون وأخرى لطائرات التجسس بلا طيار في جزر كوكوس.

وهذا ليس كل شيء، ففي تحرك لم يحظ بقدر كبير من التغطية الإعلامية، أضاف أعضاء الكونغرس الجمهوريون فقرة إلى مشروع قانون مخصصات الدفاع للعام المقبل يلزم إدارة أوباما بالتشاور مع بعض الدول في منطقة غرب المحيط الهادئ حول تمركز المزيد من القوات- بما في ذلك الأسلحة النووية التكتيكية- في المنطقة. ولقد أوعز إلى عضو مجلس الشيوخ الأميركي ريتشارد لوغار بأنه ما دام البيت الأبيض لم يعترض على التعديل تقريباً فإنه لا يرى من الأسباب ما قد يمنع مروره في مجلس الشيوخ.

وعلى هامش مؤتمر أمني استضافته سنغافورة أخيراً، أكد وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا أهمية الحشد العسكري الأميركي في المنطقة. ثم بعد ذلك ذهب إلى فيتنام، بزعم إجراء مناقشات حول استخدام البحرية الأميركية لخليج كام بارنه، الذي كان مقراً لقاعدة أميركية رئيسة أثناء حرب فيتنام.

وتنكر الولايات المتحدة، مثلها في ذلك كمثل أستراليا، أن كل هذا يضيف إلى سياسة الاحتواء التي تستهدف الصين، ولكن قِلة في منطقة غرب الباسيفيكي يرون نفس الرأي.

لقد جاءت زيارة بانيتا إلى فيتنام في أعقاب زيارة قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى بكين لإجراء محادثات استراتيجية واقتصادية. وكانت هذه المحادثات في ظاهر الأمر تسير على ما يرام، ولكن بات من الواضح على نحو متزايد أن الولايات المتحدة تلاحق سياسة ذات مسارين: المحادثات، نعم، ولكن مع زيادة القوات العسكرية الأميركية وإعادة تمركزها على سبيل الاحتياط.

وكل هذا يحدث في وقت يتزامن مع استعداد الصين لتغيير القيادة. وفي اعتقادي أن الانتقال السياسي سيحدث بسلاسة، ويقترح آخرون أن هذه الفترة ستكون فترة صعبة من الاضطرابات وعدم اليقين، وهو ما بدأ يتضح بالفعل.

ولعل إدارة أوباما تعتقد أن الصلابة في مواجهة الصين ستعمل على توليد الدعم الانتخابي في الولايات المتحدة، فأثناء الأحداث أو الأزمات الدولية الكبرى، نادراً ما تصوت أميركا ضد الرئيس الشاغل لمنصبه، ولكن هل أدرك أوباما كما ينبغي له مدى الاستفزاز الذي تحمله سياساته في نظر الصين؟

ليس المقصود من أي من هذا أن منطقة الباسيفيكي لا تحتاج إلى أميركا. ولكن على الرغم من الدور المهم الذي يتعين على الولايات المتحدة أن تلعبه في المنطقة، فلابد أنها أدركت الآن أن أهدافها السياسية من غير المرجح أن تتحقق بوسائل عسكرية.

إن الصينيين أنفسهم لا يريدون أن يرحل الأميركيون عن منطقة غرب المحيط الهادئ، لأن هذا من شأنه أن يجعل الدول الأصغر حجماً في محيط الصين أكثر توتراً إزاء القوة الصينية، والواقع أن الصين ناضجة بالقدر الكافي لكي تفهم هذا؛ ولكن وجود حشود عسكرية أميركية كبيرة في أنحاء المنطقة المختلفة أمر آخر.

هذه أيام بالغة الخطورة، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل على الصعيد الاستراتيجي أيضاً، ويتعين علينا حقاً أن نسأل أنفسنا حول ما إذا كان أوباما يحاول اللعب بورقة الصين لترجيح كفته الانتخابية. وإذا كانت هذه نواياه حقاً فهو تحرك محفوف بالمخاطر الكبرى.

ويتعين على أستراليا أن تقول للولايات المتحدة إنها لن تسمح بهذا. بل إنني كنت لأبادر إلى إلغاء معاهدة أنزوس مع نيوزيلندا والولايات المتحدة- وبالتالي إنهاء التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة- ولا أسمح بوجود صواريخ نووية على الأراضي الأسترالية.

بيد أن الحكومة الأسترالية الحالية ما كانت لتتخذ مثل هذه الخطوة، ومن غير المرجح أن تتخذ المعارضة مثل هذه الخطوة أيضاً، ولكن الأستراليين بدؤوا على نحو متزايد يشككون في مدى قوة علاقاتنا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وحكمتها، ولعل أفضل أمل لنا الآن فيما يتصل بالاستقرار والسلام يكمن في عدم انجراف الصين وراء هذه الاستفزازات. إن الصينيين يفهمون اللعبة التي تمارس الآن، وأظن أنهم سيلتزمون بالبقاء على الحياد تماماً أثناء الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة.

مالكولم فريزر - Malcolm Fraser

* رئيس وزراء أستراليا الأسبق.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top