فجر يوم جديد: المصلحة... والنية غير الخالصة!
يمكن وصف هذا الفيلم بأنه «فيلم غير مسؤول» لا يتمتع فريق عمله بأي قدر من الوعي السياسي والحس الوطني، فالفيلم الذي يحمل عنوان «المصلحة» اعتمد، كما يُقال على واقعة حقيقية نجحت خلالها أجهزة الأمن المصرية في إحباط عملية كبرى لتهريب المخدرات ولكنه ترك، بعد متابعة أحداثه، شعوراً بالإحباط لفرط ما اتسم بالسطحية والاستخفاف والأداء التمثيلي المفتعل والخيال الكسيح! في توقيت شائك وحساس، نسعى فيه إلى رأب الصدع الخطير الذي تسببت فيه ممارسات طائشة تمثلت في تحرش مستمر من أجهزة الأمن المصرية، في وقت ما في بدو سيناء، عبر اعتقالات عشوائية ومطاردات أمنية، بحجة الاشتباه في اتجارهم بالمخدرات، وهي الملاحقات التي وصلت في استفزازها إلى حد اتهام بعضهم بالتعاون وإسرائيل، يأتي فيلم «المصلحة» ليُعيد بشكل فني متدن للغاية «الأسطوانة المشروخة» نفسها، ويتهم بدو سيناء بأنهم «تجار مخدرات» و»خائنون» للتراب الوطني، و»متعاونون» مع مافيا عربية (لبنان مكان إبرام صفقة المخدرات والساحل الأردني مرفأ تهريبها!). بل إن الإساءة بلغت مداها بتصوير أطفال البدو وهم يهرعون إلى جمع فوارغ طلقات الرصاص ليلعبوا بها، في مشهد يوحي بأنهم مجرمون بالفطرة، ويحمل دلالة موحية بأن المستقبل أيضاً ميئوس منه!
هكذا... بصلافة وعنجهية لا تنقصهما العجرفة والغباء السياسي، تسير أحداث فيلم «المصلحة» الذي بدأ التفكير في إنتاجه نهاية عام 2010، ولم تدخر وزارة الداخلية المصرية جهداً في إمداده بأجهزتها المتطورة، وعدتها وعتادها، بغية شحذ الهمم وحشد المشاعر وتحفيز الجمهور على التعاطف مع رجالها، من خلال قصة الرائد «حمزة» (أحمد السقا) الذي يتفانى في خدمة الوطن، ويتغلب على أحزانه بعد استشهاد شقيقه الضابط (أحمد السعدني) على يدي شقيق أحد تجار المخدرات، ويأخذ على عاتقه الثأر من التاجر (أحمد عز) بعد نجاحه في تهريب شقيقه، في أعقاب الحكم عليه بالإعدام، حتى بدا وكأن الأجهزة الأمنية جندت إمكاناتها لبطل أعماه الثأر الشخصي. يكرس الفيلم للحل الفردي، ولا يضع اعتباراً للقانون، بدليل مشهد النهاية الذي أقدم فيه رجل الشرطة على قتل المتهم بعد القبض عليه وكأنه اعتراف علني من أصحاب الفيلم بأن القانون عاجز ولا ينبغي انتظاره أو الاعتداد به! رسالة أخلاقية خطيرة تهدد استقرار أي مجتمع، لكنها لم تخطر على بال صانعي فيلم «المصلحة»، الذين حركتهم «المصلحة الشخصية» وسيطر عليهم هاجس الربح السريع، بأكثر مما انشغلوا بتقديم فيلم يتبنى قضية ويكرس قيمة، ومن ثم جاءت النتيجة صادمة لكل من تفاءل بالفيلم الذي يجمع، للمرة الأولى، بين أحمد السقا وأحمد عز. لكن الظن خاب بعدما تبين أننا في صدد فيلم «متهافت سياسياً وفنياً»، بتصويره المزعج (كاميرا إيهاب محمد علي)، وموسيقاه التي استنسخها عمرو إسماعيل من أفلامه السابقة، وعلى رأسها «واحد من الناس»، فضلاً عن السيناريو المليء بالمفاجآت «المتوقعة» والحيل الساذجة والمناورات المكشوفة والنهاية المزعجة، التي فضحت القدرات المتواضعة للمنتج وائل عبد الله في الكتابة. كذلك كشفت عن عدم دراية بطبائع وعادات وتقاليد أهل سيناء، بالإضافة إلى تورطه في الزج، ومعه المخرجة، بشخصيات زائدة عن الحاجة الدرامية (الداعية، خالد صالح، الذي يأمر بطاعة ولي الأمر، والزوجة اللبنانية، كندة علوش، والفتاة البدوية، زينة، وزوجة الضابط، حنان ترك، وأمه، نهال عنبر). باستثناء التنفيذ الفني المُحكم لمشهد اغتيال شقيق البطل، الذي يُعد الحسنة الوحيدة في الفيلم، عانت المخرجة ساندرا نشأت فقراً إبداعياً ملحوظاً، فانتقال الأحداث إلى لبنان يعني أن تتردد في الخلفية أغنية لفيروز، والتمثيل عندها مسؤولية كل ممثل، ومن ثم غلبت الثقة الزائدة (أحمد السقا الذي أخلص للبزة الشرطية بأكثر مما فعل مع الشخصية الدرامية) والاستظراف والاستخفاف (أحمد عز الذي تصور أنه خفيف الظل، وعجز عن ضبط انفعالاته فتحول صوته إلى حشرجة، كما فشل تماماً في اتقان اللهجة البدوية) بينما تعامل الآخرون مع الأدوار بسطحية (حنان ترك وصلاح عبد الله وزينة وكندة علوش) وهي المسؤولية التي يتحملها معها كاتب السيناريو، نتيجة ضيق الأفق، والخيال الكسيح، والمساحة الدرامية الضحلة التي لم تتح للممثلين أية فرصة للإبداع. في فيلم آخر، غير «المصلحة»، كان يمكن لمشهد صلاة الجماعة، الذي يضم الكبار والصغار في وزارة الداخلية، أملاً في أن يبارك الله عملية القضاء على «أعداء الوطن»، كذلك مشهد تشييع جثمان الضابط في جنازة رسمية يبكي فيها كبار القادة، وتولول فيها الأمهات الثكلى، حزناً على «شهيد الواجب»، أن يفجرا في صالة العرض عواصف من الدموع، لكن شيئاً لم يحدث هذه المرة، نتيجة غياب الصدق الفني والإنساني، والتعامل مع المشهدين باستهانة بالغة... ولأن النية في «المصلحة» لم تكن خالصة لوجه الله والوطن... والسينما!