كان متوقعاً أن تنتهي مبادرة الرئيس المصري محمد مرسي لحل الأزمة السورية، التي لم تكن موفقة منذ لحظة التَّقدم بها والتي كانت مستغربة وحمَّالة أوجه، إلى هذه النهاية التي أضحكت حتى وزراء خارجية مصر وإيران وتركيا الذين حضروا اجتماع أمس الأول في القاهرة، الذي غابت عنه المملكة العربية السعودية وكان يجب أن تغيب عنه، والذين لم يستطيعوا الردَّ ولو على سؤالٍ واحدٍ من بين أسئلة عشرات الصحافيين الذين كانوا ينتظرون مفاجأة مشجعة تعزز الآمال بإمكانية حدوث انفراج في هذه الأزمة المستفحلة والمتفاقمة.

Ad

لم يكن محمد مرسي موفقاً في إطلاق هذه المبادرة التي ولدت ميِّتة والتي يدل إطلاقها بعد الفشل الذريع الذي انتهت إليه خطة كوفي أنان وعشية مجيء الأخضر الإبراهيمي في مهمة دولية وعربية جديدة، على أن الرئيس المصري "الجديد" إما أنه لايزال لم يدرك ضخامة تداخلات وتعقيدات الأزمة السورية المتفاقمة والمستفحلة وحجم الدور الإيراني فيها، أو أنه لمّا يرتقِ بعدُ بأدائه السياسي إلى مستوى رئيس دولة بحجم دور مصر العربي والإقليمي والدولي، وأنه لايزال لم يخرج تفكيراً ولا أداءً من دائرة الإخوان المسلمين الذين هم أهل "تقيِّة"، والذين دأبوا على تقديم مصالحهم التنظيمية على مصالح شعوبهم وعلى مصالح بلدانهم.

إن المعروف أن الإخوان المسلمين عموماً، باستثناء "إخوان" سورية، لم يقطعوا علاقاتهم بإيران، إما مراعاة لأوضاع "حماس" وإما تماشياً مع مصالحهم الحزبية، ولذلك وبالتالي فإن كل ما يقولونه في هذا المجال هو: "من الحُنجرة فما فوق"، كما يقال، وهو من قبيل مجاراة توجهات الأكثرية الجماهيرية التي لم تعد قادرة على السكوت على تمادي الإيرانيين في تدخلهم السافر في العراق وفي سورية وفي لبنان وفي العديد من الدول العربية، وهذا ما اعترف به قبل أيام القائد الأعلى لحراس الثورة الإيرانية محمد علي جعفري، وما اتضح خلال أكثر من عام ونصف منذ بداية انفجار الثورة السورية.

ولهذا فقد كان على محمد مرسي، الذي يبدو أنه لمّا يرتقِ بعد إلى مستوى رئاسة مصر كدولة محورية في هذه المنطقة وفي الإقليم كله، وأن عقله وقلبه وتصوراته وتطلعاته لاتزال لم تخرج من الدائرة الإخوانية، ألاّ يُقحم نفسه ويقحم الدولة المصرية ورئاسة الدولة المصرية في مبادرة كان الواضح ومنذ البداية أن هدفها الرئيسي هو الإبقاء على شعرة معاوية مع الإيرانيين، وهو تحويل إيران من جزء من المشكلة السورية الى جزءٍ من حل هذه المشكلة، وهذا هو ما عجز عنه كوفي أنان وعجزت عنه روسيا بسبب الرفض العربي والغربي وبسبب موقف المعارضة السورية.

كان على محمد مرسي أن يقرأ الكتاب من عنوانه، هذا إن هو أصبح يقرأ بعينيْ رئيس دولة مصر لا بعيون جماعة الإخوان المسلمين، وكان عليه أن يدرك حقيقة ما يريده الإيرانيون من مبادرته هذه عندما طالبوا في الاجتماع الأول بضم فنزويلا والعراق، أي عراق نوري المالكي، إلى هذه المجموعة الرباعية، ثم كان عليه أن يدرك أيضاً أن المملكة العربية السعودية تعرف أبعاد لعبة نقل إيران من دائرة "الخصم" إلى دائرة "الحكم"، وأنها لن تشارك في اجتماع أمس الأول الذي كان يجب ألا يدعو إليه، وأن يطوي صفحة هذه المبادرة التي أساءت إلى الشعب المصري والدولة المصرية.