المحكمة الدستورية... لن ترضخ
مجدداً تتعرض السلطة القضائية للطعن والهمز واللمز من دعاة الدفاع عن الدستور ومؤسسي جبهة حمايته، وكان أبرز تلك الممارسات الكلمات التي صدرت عن بعض المتحدثين في تجمع "الإرادة" الأخير من أعضاء مجلس الأمة 2012 المبطل. الخطير واللافت هو التركيز في إحدى تلك الكلمات على قضية الثقة بالقضاء وبداية تزعزعها وتآكلها، وهو مكمن الخطورة التي دفعت شعوب ثمنها غالياً بحروب أهلية أو انهيار وتلاشي سلطة الدولة اللذين يؤديان إلى الفوضى. نواب أو سياسيو الأغلبية المبطلة لم تعد تصريحاتهم وتلميحاتهم المشككة والطاعنة في القضاء بعدة أشكال وأساليب مباشرة وغير مباشرة، ناتجة عن زلة لسان أو حماسة خلال انفعال خطابي، بل هي أسلوب ممنهج للنيل من القضاء، جعل بعض الخبراء الدستوريين يسارعون بالتحذير من ذلك النهج، وأثره المدمر على البلد، وكان آخرهم الخبير الدستوري د. محمد الفيلي في برنامج تلفزيوني بتحذيره من استمرار استخدام المفاهيم الدستورية والقانونية والقائمين عليها والمنفذين لها في الصراع والجدل السياسي. أسلوب الأغلبية المبطلة في استهداف القضاء معلوم هدفه، وغايته إخضاعه لهم كما فعلوا في المؤسستين التنفيذية والتشريعية، والمحاولات بدأت نهاية العام الماضي في تجمعات ساحة قصر العدل وأمام مواقع النيابة العامة المختلفة، ظناً منهم أن ذلك سيجعل القضاء يتراجع عن قرار أو يتخاذل عن تطبيق الدستور والقوانين، واللافت حالياً أن بعضهم يحدد مواعيد للمحكمة الدستورية لتصدر حكمها في الطعن المقدم من الحكومة بشأن الدوائر الانتخابية ليكون في شهر أكتوبر، حتى تتم الانتخابات في ديسمبر المقبل، وهو تدخل سافر وتجاوز على سلطة المحكمة التي يجب أن تقرر بنفسها الوقت الذي تحتاج إليه للنظر في القضايا المعروضة عليها والحكم فيها، خصوصاً أن السوابق توضح أن معدل نظر المحكمة الدستورية في القضايا والحكم فيها يتراوح بين خمسة وستة أشهر، وقد يمتد إلى أكثر من ذلك. البعض من جماعة الجبهة الجديدة يريد أن يضغط على المحكمة الدستورية بالترديد أن البلاد في حالة تعطل دستوري وفراغ تشريعي، وهو توصيف غير دقيق وصادق، فهناك مجلس أمة شرعي ومنتخب وقائم بقرار من المحكمة الدستورية وفقاً لمواد الدستور وإرادة الناخبين الذين انتخبوه في عام 2009 في انتخابات نزيهة وحرة، ومن يعطل مؤسسات الدولة هو قرار لسياسيين ضمن صراع وتنافس سياسي لا يمكن أن يخضع سلطة القضاء لها بإصدار أحكام في مدد ومهل زمنية يحددها رموز الصراع السياسي لتكتمل خططهم في العراك السياسي والتنافس الانتخابي، ولذلك فإننا جميعاً على ثقة بأن القضاء والمحكمة الدستورية تحديداً لن تخضع لكل الضغوط التي تحدد مهلاً زمنية لها لإصدار حكمها في طعن الدوائر الانتخابية لتحقيق جداولهم الزمنية في حل مجلس الأمة وإجراء انتخابات في ديسمبر المقبل كما يطالبون، وهو الموقف الثابت للقضاء الذي سيرتب على السياسيين ونواب مجلس الأمة أن يتحملوا مسؤولياتهم وينفذوا الأحكام ويمتنعوا عن تعطيل عمل مؤسسات الدولة، وبصفة خاصة السلطة التشريعية، ويمنعهم كذلك من العبث مع أهم مؤسسة تحمي الدستور وتحرص على دقة تطبيقه وهي السلطة القضائية.