يبدو أن حكومتنا "غاوية مشاكل" ولا يكفيها حجم المآسي التي تمر بها الدولة بسبب قراراتها غير الحكيمة والاستفزازية لقطاعات كبيرة من الشعب، فقامت بدون "إحم ولا دستور"، ونحن على بعد أيام قليلة من انتخابات جديدة وغير طبيعية أصلاً بتوقيع الاتفاقية الأمنية التي طالما كانت مرفوضة شعبياً مع دول مجلس التعاون الخليجي!

Ad

وقد يروج لهذه الاتفاقية أنها معدلة ومحسنة، وتم تفصيلها على المقاس الكويتي، وبما يتناسب مع الإطار الدستوري دون أي خروقات لمواد الدستور لا سيما ما يتعلق بالحريات العامة والشخصية للمواطنين، إضافة إلى مبدأ سيادة الدولة.

وكل هذه التبريرات في رأيي وهم لا يغني ولا يسمن من جوع، ومهما حاولت الحكومة تلطيف سمعة الاتفاقية الأمنية وجعل ملمسها ناعماً وبريئاً إلا أنها تظل ثقيلة على القلب، ويكفي حسها الأمني، ولو اسمياً، مدعاة لرفضها شعبيا وتحديدا في هذه الفترة، حيث الكثير من أمور الدولة والتعامل مع الأحداث والتطورات السياسية يتم التعامل معها من منظور أمني على مستوى القرار وعلى مستوى الميدان.

ولا أعرف سر استمرار الحكومة في جس النبض الشعبي إزاء الاتفاقيات الأمنية والعربية منها بالذات، والتاريخ الكويتي شعبياً يسجل موقفاً ثابتاً وقاطعاً ضد هذه السياسة الأمنية، وقد شهد مجلس الأمة بتشكيلاته المختلفة والمتباينة على مدى عدة فصول تشريعية التصويت بالرفض التام وبالإجماع على أي اتفاقيات أمنية، ونالت الحكومة خلال تلك النقاشات كلاماً بمنتهى القسوة من مختلف المشارب النيابية.

وإذا كانت الحكومة تراهن اليوم على حالة الانقسام السياسي في البلد بين المعارضة والموالاة للتوقيع على الاتفاقية الأمنية الخليجية فهي مخطئة تماماً، وببساطة لأن الفريقين ورغم خلافاتاهما العميقة كانا ضد هذه الاتفاقيات على طول الخط، وأي تغيير في الموقف يكون بمنزلة فضيحة سياسية لأي منهما.

ولا أعلم كيف تحاول الحكومة التسويق لأهمية هذه الاتفاقية التي ما زالت في طي السرية والادعاء بأنها لا تتنافى مع الدستور ولا تعد آلية لنقل المعلومات وتبادلها، والمضحك في هذا الشأن أن تبادل المعلومات الأمنية الجنائية مفعلة منذ فترة طويلة ولا تحتاج إلى اتفاقية، بل إن المعلومات الأمنية للأشخاص وخاصة أصحاب النشاط السياسي "صايره سبيل" بين الكثير من دول مجلس التعاون، بدليل منع دخول أي مواطن خليجي بناء على أوامر حكومته إلى الدول الشقيقة الأخرى، وما يتم تداوله حول أنشطة بعض التيارات والجماعات الدينية والسياسية من مصادر أمنية علنا وبالأسماء أحيانا، فما تضيف اتفاقية تبادل المعلومات على ما هو قائم بالفعل؟

وأيضاً كيف تريد حكومتنا إقناع الناس بالاتفاقية الأمنية الخليجية، وهي التي تشجع بعض حلفائها بالترويج بأن دولاً خليجية تخطط للانقلاب على السلطة في الكويت، والبعض الآخر يهمز ويلمز بقرب ابتلاعنا أو احتوائنا من دول خليجية أخرى؟ فهل يعقل أن تزود الحكومة هذه الدول بمعلومات أمنية قد تكون حساسة واستراتيجية في هذا الخصوص؟

أما أسخف التحليلات بشأن التبرير لمثل هذه الاتفاقية فهي التي تجاوزت كل الحقائق، وما يجري على الأرض من حراك شعبي وارتفاع سقف المطالبات السياسية في عموم بلدان الخليج ولو بمستويات متفاوتة، لتضعها في زاوية طائفية ضيقة، ولكن يبدو ولله الحمد أن مثل هذا التحليل الساذج قد قبر مبكراً.

ويبقى أن تعلن الحكومة فحوى هذه الاتفاقية بكل وضوح وشفافية حتى يطلع عليها الشعب الكويتي، فإما أن تكون بنود الاتفاقية الجديدة من السطحية والبساطة بمكان بحيث لا ترتقي إلى مستوى تحويلها إلى اتفاقية تعطى هذا الزخم الكبير، وإما أن تكون بالفعل ذات أبعاد عميقة تصل إلى انتهاك الحقوق الشخصية للمواطنين والتضييق على حرياتهم، أو تصطدم مع نصوص الدستور وسيادة الدولة، وفي الحالتين تكون النتيجة أنه ليس من داع لمثل هذه الاتفاقية، وسيكون مصيرها مصير الاتفاقية الأمنية العربية المشؤومة التي وقعت في تونس في عهد بن علي والتي رفضها مجلس الأمة بالإجماع!