تقضي الغالبية من البشر حيواتها في البحث عن ذلك البطل المنقذ دون أن تعلم أي شيء من الخيبات المتكررة، ولكن البعض وبقليل من الوعي والثقافة والثقة في النفس يعي الدرس مبكراً، فلا وجود للكمال على أرض الواقع، فالكمال رحلة وعملية، وليس حالة أو وجهة.

Ad

نعي الدنيا في أحضان أم دافئة، توفر لنا كل ما نحتاج إليه من مأوى ومأكل ومشرب وشعور عام بالأمان والحب حتى نتخيل أننا وهذه الأم جسد واحد، فهي تفهم وتشعر بما نشعر به دون حاجة منا لأن نشرح أو نتكلم. فنقضي السنتين الأوليين من أعمارنا نرى فيمن يرعانا البطل المطلق القادر على كل شيء والمنزه عن الخطأ أو الضعف... ثم نكبر ونتحرك ونستقل، فنفهم أننا كائنات قائمة بذاتها منفصلة عمن يرعانا، ونعي أن تلك "البطل" ليست ذات قوة خارقة، فهي تخطئ وتزل وتضعف، وهناك كثير مما لا يمكنها حمايتنا منه. وتعد هذه أولى خيبات أملنا في الحياة.

هذا الدرس الأول الذي نتعلمه في العام الثاني من أعمارنا يشكل مفترق طرق لنا... وفي الغالب وبعد أن يسقط الوالدان من قائمة الأبطال نستمر في حياتنا بالبحث عن هذا البطل القادر الخارق الذي يحمينا ويؤمن لنا احتياجاتنا ليسد دور الأم والأب، والبطل الذي توسمناه فينا حين كنّا كياناً واحداً.

وقد نجد هذا البطل في كتب التاريخ أو الدين، وقد نجده في السياسية أو الأعمال أو في محيط الأهل والأصدقاء، وبسرعة شديدة نسبغ عليه صفات الكمال كافة التي نبحث عنها؛ فهو الشجاع والذكي والكريم والجميل والرحيم والقوي وغيرها من صفات العظمة. وكما يثق الرضيع في أمه نضع كامل ثقتنا في ذلك البطل المنقذ ولا نرى أياً من هفواته أو عيوبه.

ونرى أمثلة ذلك "التأليه" كل يوم، سواء لأحد مشاهير السينما أو لسياسي أو فيلسوف، أو حتى لمن لم نعاصر أو نعايش من الشخصيات التاريخية أو حتى الأسطورية. وندافع عن أبطالنا بنفس الشراسة والقوة التي ندافع بها عن أنفسنا أو أمهاتنا. حتى يأتي ذلك اليوم الذي لا يمكننا غض البصر عن عيوبهم ونواقصهم فتتكرر في أنفسنا خيبة الأمل الأولى.

وتقضي الغالبية من البشر حيواتها في البحث عن ذلك البطل المنقذ دون أن تعلم أي شيء من الخيبات المتكررة، ولكن البعض وبقليل من الوعي والثقافة والثقة في النفس يعي الدرس مبكراً، فلا وجود للكمال على أرض الواقع، فالكمال رحلة وعملية وليس حالة أو وجهة. سعينا للكمال هو الكمال بحد ذاته، وليس هناك أبطال خارقون أو آلهة على الأرض، بل هناك مشروع بطل داخل كل منّا. بحثك وثقتك وسعيك وإيمانك يجب أن يتوجه إلى نفسك قبل غيرك، فأنت فقط المؤهل لحماية نفسك ورعاية رغباتك وتحقيق أحلامك. أنت، وفقط أنت، البطل الذي تبحث عنه.