لك أن تبكي يا سيّدي وتُبكينا
وأن يمتلأ قلبك حسرةً وأن تملأ صدورنا جمراً حارقاً يلتهم عشب أمانينا دمعتك التي اربكت الحروف من بين شفتيك، اربكت سكينة بلادتنا وبلاهة مشاعرنا وهدوء أعصابنا حريّ بدمعتك تلك أن تهزّ وطناً وليس أفراداً دمعة الرجال موجعة، فما بالك برجل مثلك، نجلّه ونقدره، وله رصيد في قلوبنا من الاحترام لا ينضب كنت ومازلت سيد ضحكتنا، ونبع ابتسامتنا العذب رفيق لحظاتنا المؤنسة وكنت نخل فرحتنا الباسق، نفرّ إليك إذا ما أُوصدت أمام ابتسامتنا الأبواب، وسُوّرت بالشوك دروبنا إليها، نفرّ إليك إذا استوطنت صدورنا الوحشة، وحاصرنا الهم نلجأ إلى جمالك وجُملك الخالدة في ذاكرتنا، إلى "أفيهاتك" نرددها لتنبت فجأة ضحكة من بين أضلعنا ويفيض ماؤها سلسبيلاً في كفوف لحظتنا الكئيبة، نجمعك من زوايا ذاكرتنا فرحة نضرة لنشتت يباس حزننا، أنت أحد الذين جمّلوا سماء هذا الوطن بنجوم نُسجت من شرايين قلوبهم، لذا أنت أحق من يبكي هذي السماء إذا ما اعتلى وجهها الظلام، ونهش ملامحها الغبار أنت صنيعة زمن بهيّ زانه نسيج اجتماعي كنت تظن أنه أقوى من أن يُمزّق، فمن حقك أن تبكي في زمن أصبح فيه ذاك النسيج أشلاءً تُداس بالأقدام، ويمرّغ بالوحل من حقك يا سيدي الجليل أن ترى وجوه بناتك وأبنائك الشباب ويقطر قلبك أسى لما ينتظرهم غداً، وأنت الذي عشت أمسا سمحا مليئا بالرضا ومحبة الآخرين من حقك يا سيد بسمتنا أن تبكي وأن يتساقط الحنظل من بين شفتيك بديلا عن الكلام أكاد أعرف شعورك يا سيدي، فأنت لا تبكي فقط مستقبل وطن غامض القسمات، رمادي البشائر، يسير نحو حبائل السواد واثق الخُطى أنت تبكي أيضا عمرا منك طويلا، اكتشفت للتوّ أنه قد ضاع سدى! عمرٌ نذرت كل لحظة منه لجعل هذا الوطن على عكس ما ترى الآن، كل قطرة عرق سالت على جبينك كانت رسالة حب نقية لهذا الوطن، كل آهة تعب كانت بمثابة لبنة تضعها جنب لبنة سبقتها لبناء وطن مُشتهى، كل جملة في سيناريو سهرت جاهدا لتحفظها كانت بمثابة حصتك التي تدفعها كاحتياطي حب للأجيال القادمة، فكما تفعل الدولة عند اقتطاعها جزءا من ثروتها احتياطيا للأجيال القادمة، كنت أنت تقتطع من حياتك وراحتك وسعادتك الشخصية وصحتك ثمنا لذلك! من حقك أن تبكي الآن عندما تكتشف أن كل ما ادّخرته للأجيال القادمة تذروه الرياح وكأنه لم يكن عمرٌ شاركت فيه المخلصين من أمثالك لجعل هذا الوطن أجمل مما كان، وأرحب فضاء مما كان، وأقوى مما كان، وأحب مما كان، والآن... يقتلك حسرةً أن العمر لم يعد يتّسع لعمل الكثير الكثير ليعود الوطن... كما كان! لم أعط هذا الوطن يا أستاذ سعد ولو نزرا يسيرا مما أعطيت أنت وأمثالك، ورغم ذلك يبكيني المشهد في الكويت ألماً، وتمنيت لو أن لي قلبين لأقول: قلبي على الكويت، وقلبي الآخر... عليك.
توابل - ثقافات
دمعة في عيون سعد الفرج
17-05-2012