السيناتور الديمقراطي الأميركي جون كيري هو أحد الرموز السياسية وصانعي القرار في واشنطن، وهو أيضاً مناهض للحروب وكان مرشحاً للرئاسة في 2008، تبوأ مواقع كثيرة في اللجان المهمة في الكونغرس المعنية بالشؤون الخارجية والدفاع والاستخبارات تجعله على اطلاع واسع وقدرة على الحصول على المعلومة وتحليلها وتحري مدى مصداقيتها، وكانت له عدة زيارات لدمشق.

Ad

جون كيري هذا ندد قبل يومين باستخدام إيران للمجال الجوي والأراضي العراقية لنقل السلاح والأفراد والعتاد إلى سورية لقمع الثورة وإخمادها، وطالب حكومة بلاده باتخاذ موقف من بغداد، ومطالبتها بوقف هذه التسهيلات لطهران.

جون كيري بخلاف الصقور في الكونغرس مثل جون ماكين وغيره لا يسعى إلى التصعيد والمواجهة، ولو لم تكن لديه تقارير استخباراتية ومعلومات مؤكدة حول دور العراق، ما كان ليصدر تصريحاً مثل هذا لأنه من أصحاب المطالبة بتقليص التدخل العسكري الخارجي الأميركي إلى أدنى حدوده، وأيضاً من المطالبين الأوائل بسحب القوات الأميركية من العراق. كلام كيري والتقارير المتعددة حول استخدام إيران للأراضي والأجواء العراقية يؤكد لكل الراصدين لأوضاع العراق مدى النفوذ والسطوة الإيرانية على العراق الذي أضحى الفناء الخلفي لطهران الذي تستخدمه كيفما تشاء وفي أي وقت تريد.

الغريب أن الوضع العراقي الحالي وبالتداخل الإيراني الهائل فيه والمطلعة واشنطن على كل تفاصيله، تترافق معه موافقة الحكومة الأميركية على بيع بغداد طائرات مقاتلة حديثة من طراز "إف 16" إضافة إلى معدات وقطع غيار ودفاع جوي، لا يعلم أحد في ظل ظروف العراق الحالية أين سيكون مقرها النهائي؟ وتحت أيادي مَن ستؤول؟ وما هو تأثيرها على أمننا في الكويت وأمن منطقة الخليج العربي؟ في ظل علاقات بغداد- طهران الوثيقة التي تعلو فيها كلمة إيران، كما أثبتت كل الأحداث في السنوات الأخيرة.

من المؤكد أن للمنافسة في سوق السلاح دوراً في مسارعة واشنطن ببيع السلاح للجيش العراقي، حتى يكون مؤسَّساً على نمط تسليح غربي ولا يتوجه إلى السوق الروسي، وهو أمر مهم للصناعة الأميركية مع بلد نفطي غني وذي نزعة تاريخية لبناء جيش كبير، ولكن هناك عوامل خطورة كبيرة ستنعكس على حلفاء واشنطن في المنطقة من انتشار أسلحة متطورة عن طريق بغداد إلى حوزة أطراف تمثل تهديداً لهم، ثم إنه لا يوجد تهديد جدي للعراق تاريخياً إلا من إيران التي تعتبر حليفها الأول الآن... فما هي الفائدة من تسليح العراق؟

وعلى العكس فإن العراق اليوم بحاجة ماسة إلى البناء والتنمية والإعمار، كما فعلت اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يسمح لهما العالم بالتسلح وشراء الأسلحة إلا بعد 25 عاماً من نهاية الحرب العالمية، وبعد التأكد من سلوكهما السلمي ودورهما الإيجابي في المحافظة على السلم والأمن العالمي، وهو ما جعلهما اليوم الأمتين اليابانية والألمانية العظيمتين، لذلك على واشنطن أن تراجع ما تنويه من بيع صفقات سلاح بأرباح ضخمة لبغداد ربما تكون كلفتها عالية جداً على أمن منطقة الخليج العربي التي تمثل خزان الطاقة العالمي.

***

يلومني بعض القراء والزملاء بسبب عدم تناولي الشأن المحلي بشكل مستمر، وبصفة خاصة تجمعات ساحة الإرادة وحفلة الزار الدائمة عندنا، وأقول بأن الجدل في البلد ليس حواراً من أجل المصلحة العامة، بل هو جدل ضار يحفه التعصب والعناد والنزعات الشخصية والعرقية والطائفية، ولذلك فإن تأجيجه بشكل دائم عبر المشاركة فيه هو جريمة بحق الوطن والشعب الكويتي، لذلك إن لم تكن هناك فكرة مهمة أو رأي واجب الطرح، فإن هناك العديد من القضايا التي تهم حياة وفكر ومستقبل وأمن واقتصاد البلد، من الأولى أن تطرح في هذه الزاوية بعيداً عن الجو الخانق السائد.