لماذا التجارة العادلة؟

نشر في 24-04-2012
آخر تحديث 24-04-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت كان مصطلح "التجارة العادلة" يعني تاريخياً العديد من الأمور، فقد تأسست جامعة التجارة العادلة في بريطانيا في عام 1881 لتقييد الواردات من الدول الأجنبية. وفي الولايات المتحدة استخدمت الشركات والنقابات العمالية قوانين "التجارة العادلة" لبناء ما أطلق عليه رجل الاقتصاد البارز جوزيف ستيغليتز وصف "حواجز الأسلاك الشائكة أمام الواردات". وتسمح قوانين "مكافحة الإغراق" المزعومة هذه لأي شركة تشتبه في قيام منافس أجنبي ببيع منتج ما بأسعار أقل من التكلفة بمطالبة الحكومة بفرض تعريفات خاصة لحمايتها من المنافسة "غير العادلة". إن مثل هذه الأفكار السوداء النزاعة إلى الحماية كانت بعيدة كل البعد عن أذهان المنظمين الخيريين لمؤتمر "التجارة العادلة في أسبوعين" في المملكة المتحدة، والذي اشتريت خلاله قطعتين من شيكولاتة التجارة العادلة و"مرطباناً" من زبد فول التجارة العادلة السوداني. والواقع أن هدفهم الأهم يتلخص في رفع السعر المدفوع لمزارعي الدول النامية عن منتجاتهم من خلال استبعاد الأرباح المضخمة التي يحصل عليها الوسطاء الذين يعتمدون عليهم في توصيل سلعهم إلى أسواق بعيدة. ولا تتنافس منتجات التجارة العادلة، مثل الكاكاو والقهوة والشاي والموز، مع الإنتاج الأوروبي المحلي، وعلى هذا فإنها لا تستند إلى دوافع تتعلق بالحماية.

ويتم الأمر على هذا النحو: في مقابل السعر المضمون وتلبية "معايير العمل والبيئة المتفق عليها" (حد أدنى للأجور، وعدم استخدام مبيدات حشرية)، تحصل التعاونيات الزراعية في البلدان الفقيرة على علامة "التجارة العادلة" على منتجاتها، والتي تصدرها منظمة توسيم التجارة العادلة. وبفضل هذه الشهادة تتمكن المتاجر الكبيرة وغيرها من محال بيع التجزئة من بيع المنتجات بعلاوة. ويتمكن مزارعو العالم الثالث من تعزيز دخولهم، في حين يشعر المستهلكون في العالم الأول بميزة الفضيلة: فيعيش الجميع في هناء وسعادة.

ولقد شهدت حركة التجارة العادلة، التي بدأت في ثمانينيات القرن العشرين، نمواً سريعا، وفي تقدم ملحوظ في عام 1997، أصدر مجلس العموم البريطاني قراراً بتقديم القهوة الحاصلة على علامة التجارة العادلة فقط. وبحلول نهاية عام 2007، كانت أكثر من 600 منظمة من منظمات المنتجين، وهو ما يمثل 1.4 مليون مزارع في 58 دولة، تبيع منتجات التجارة العادلة. واليوم يباع ربع الموز المعروض في متاجر المملكة المتحدة الكبرى تحت علامة التجارة العادلة. ولكن المنتجات التي تحمل علامة التجارة العادلة لا تزال تمثل حصة ضئيلة للغاية- أقل من 1% عادة- من المبيعات العالمية من الكاكاو والشاي والقهوة وما إلى ذلك.

والواقع أن المبرر الاقتصادي للأسعار المضمونة معروف بوضوح: فتثبيت استقرار أسعار المنتجات الأولية، والتي كثيراً ما تخضع لتقلبات حادة، يعمل على تثبيت استقرار دخول منتجيها، ولقد ألهمت هذه الحجة عدداً من المقترحات- وأشهرها التي طرحها جون ماينارد كينز في عام 1942- لخلق "مخزون احتياطي" من السلع الأساسية الرئيسة، والذي من المفترض أن يسحب من المعروض في السوق عندما تهبط الأسعار، وأن يضيف إلى المعروض عندما ترتفع الأسعار. بيد أن اقتراح كينز لم يصل إلى اتفاقية بريتون وودز لعام 1944، ورغم عودة مخططات المخزون الاحتياطي إلى الظهور في سبعينيات القرن العشرين، فإنها هي أيضاً ذهبت أدراج الرياح. كما قدم خبراء الاقتصاد اليساريون مثل راؤول بريبيش في وقت لاحق نظرية "تدهور معدلات التبادل" للمنتجات الرئيسة: مثل أسعارها في الأمد البعيد إلى الهبوط نسبة إلى أسعار السلع المصنعة. ولقد بدأ هذا الميل في الظهور بداية من منتصف الثمانينيات، مع تعرض منتجي السلع الأساسية لانحدار متواصل في الأسعار. كما كانت تقلبات الأسعار طيلة ذلك العقد ضخمة، فترتب على ذلك عواقب وخيمة على الأفارقة في المناطق الواقعة إلى الجنوب من الصحراء الكبرى وغيرها من الدول النامية التي كانت تعتمد إلى حد كبير على السلع الأساسية في عائدات التصدير.

ولكن منذ ذلك الوقت، انعكس اتجاه انحدار الأسعار، فارتفعت أسعار السلع الغذائية الأساسية بنسبة 150% منذ عام 2001. ولقد أدرى هذا إلى زيادة دخول منتجو المزارع بشكل مستقل عن جهود حركة التجارة العادلة. وبهذا انهارت حجة "انحدار معدلات التبادل التجاري".

ولكن أسعار السلع الأولية ظلت متقلبة إلى حد أكبر كثيراً من أسعار السلع المصنعة والخدمات، الأمر الذي أدى إلى تقلبات ضخمة في دخول المنتجين. وهذا يؤدي بدوره إلى تفاقم التأثيرات المترتبة على فترات الرواج والركود، وعلى هذا فإن قضية تثبيت استقرار الأسعار لم تحرز تقدماً كبيرا. من الصعوبة بمكان أن نرى كيف قد تساهم حركة التجارة العادلة بشكل ملموس في حل هذه المشاكل، لأن السياسة الجادة الوحيدة في تثبيت استقرار دخول المنتجين تتلخص في التحكم بالعرض. ولكن هذا يقع خارج نطاق التجارة العادلة.

إن الهدف من كل نسخ التجارة العادلة هو "التجارة الحرة"، بيد أن أشد الهجمات تدميراً للتجارة العادلة كانت قادمة من أنصار التجارة الحرة، في مطبوعة صدرت في عام 208 تحت عنوان "تجارة ظالمة" عن معهد آدم سميث، يزعم مارك سيدويل أن التجارة العادلة تعمل على إبقاء المزارعين غير القادرين على المنافسة في مزارعهم، في حين تمنع التنوع والميكنة. وعلى حد تعبير سيدويل فإن خطة التجارة العادلة تحول الدول النامية إلى مناطق زراعية معزولة متدنية الربح وتعمل بمنطق العمالة الكثيفة، الأمر الذي يحرم أجيال المستقبل من أي فرصة في حياة أفضل.

وهذا من دون النظر إلى التأثيرات التي تخلفها التجارة العادلة على أشد الناس فقرا في هذه البلدان- ليس المزارعين بل العمال المؤقتين- والذين يستبعدون من المخطط بفعل قواعده التنظيمية ومعاييره العمالية المكلفة. أو بعبارة أخرى، تعمل التجارة العادلة على حماية المزارعين من منافسيهم وضد مصالح العمال الزراعيين.

ويزعم سيدويل أن المستهلكين يتعرضون للخديعة أيضا. ذلك أن حصة ضئيلة فقط من العلاوة- قد لا تزيد على 1%- التي ندفعها لشراء شيكولاتة التجارة العادلة قد تصل إلى منتجي الكاكاو. ولا تشكل التجارة العادلة بالضرورة ضمانة للجودة: فلأن المنتجين يحصلون على أدنى سعر في مقابل سلع التجارة العادلة، فإنهم يبيعون أفضل محاصيلهم في السوق المفتوحة.

ولكن لا ينبغي لنا على الرغم من اقتصادات حركة التجارة العادلة الهشة أن نحتقرها. وفي حين يزعم المتشائمون أن إنجازها الوحيد يتمثل بجعل المستهلكين يشعرون بالرضا عن مشترياتهم- مثل شراء صكوك الغفران في الكنيسة الكاثوليكية القديمة- فإن هذا لا يفي التجارة العادلة حقها. فالحق أن الحركة تمثل شرارة الاحتجاج ضد النزعة الاستهلاكية الطائشة، ومقاومة القاعدة الشعبية للمنطق المجرد، وتعبيراً عن النشاط الجماعي.

لا شك أن هذا التبرير لن يقنع خبراء الاقتصاد، الذين يفضلون نوعاً أكثر جفافاً من المنطق. ولكن ليس هناك ما قد يمنعنا من تذكير أنفسنا بأن خبراء الاقتصاد والبيروقراطيين ليس بالضرورة أن يديروا الأمور على طريقتهم دوما.

* روبرت سكيدلسكي، عضو مجلس اللوردات البريطاني، وأستاذ فخري لعلوم الاقتصاد السياسي في جامعة وارويك.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top