القوى الناعمة

نشر في 22-05-2012
آخر تحديث 22-05-2012 | 00:01
No Image Caption
 طالب الرفاعي كتب الشاعر أحمد حجازي يوم الثلاثاء 15 مايو الجاري في جريدة "الأهرام" مقالاً بعنوان (الثقافة... الثقافة... أيها المصريون)، وفي اليوم التالي الأربعاء 16 مايو، كتب محمد سلماوي مقالاً آخر في الجريدة نفسها بعنوان (الثقافة في برامج المرشحين)، وإذا كان أحمد حجازي قد بيّن في مقاله مكانة الثقافة في المجتمع المصري عبر التاريخ، وغيابها المؤلم حالياً عن برامج المرشحين، فإن محمد سلماوي أوضح هو الآخر القطيعة بين السياسة والثقافة، وأن الثقافة تأتي في آخر سلم أولويات المرشحين، إن وجدت، مشيراً إلى تميّز المرشح عمرو موسى عن البقية، وأنه ينعت الثقافة بأنها "القوى الناعمة".

كنت ولم أزل، منذ ما يزيد على العقود الثلاثة، على وصل واتصال بالثقافة والمثقفين على امتداد رقعة الوطن العربي، وعلى الدوام كان واضحاً لي أن مركب الفكر والثقافة والعلم يُبحر في نهر ضيق، بينما سيارة السياسة تنطلق في شوارع مرصوفة، وأحياناً تركب طائرة محلقة في الفضاء، وبما يخلق قطيعة وهوة سحيقة، بين عالم الفكر والثقافة والمفكرين والمثقفين وبين عالم السياسة والسياسيين. مع اشتغال جلّ الإبداع العربي بهموم السياسة، تصريحاً أو تلميحاً، لكون السياسة في أوطاننا العربية، تعدّ المؤثر الأهم في حياتنا!

هناك من يحصر الثقافة في الكتاب الفكري أو النقدي أو القصة والقصيدة والرواية والمسرحية واللوحة التشكيلية والفيلم السينمائي والمسلسل السينمائي، عامداً أو متناسياً غافلاً أن الثقافة هي نمط سلوك إنساني فكري اجتماعي اقتصادي يعمّ في أي مجتمع من المجتمعات، وبالتالي يؤثر وينعكس على مجمل حياة الناس كبيرهم وصغيرهم، وينتقل من جيل إلى جيل. مع العلم أن فهماً سطحياً ومغلوطاً كهذا عن الثقافة، يجعل منها مكمِّلاً اجتماعياً زائداً، ويجردها من دورها وفعلها الأساسيين في حياة أي أمة من الأمم.

قد يغيب عن ذهن الكثير من المسؤولين أن السبب المباشر لتردّي أوطاننا العربية، وتخبطها في معيشتها، إنما يعود إلى استهتارنا واستصغارنا لدور العلم والتعليم والفكر والثقافة والإبداع والفن، وأنه لا يمكن لأمة من الأمم أن تنهض وتأخذ مكانها ومكانتها بين الأمم إلا إذا اتخذت من العلم والتعليم والأدب والثقافة مشاعل نور تهتدي بها.

إن وصف مرشح الرئاسة المصرية عمرو موسى للثقافة بأنها "القوى الناعمة" وصف قد يبدو للوهلة الأولى صحيحاً، لكن الوقوف أمامه بإمعان يظهر أنه قد جانب الحقيقة والواقع. فهذه القوى الناعمة، كانت المصدر الرئيسي الذي ظل لعقود يشحن ذهن شباب مصر والعرب، ويُعري الظلم الواقع عليهم، منذ هزيمة يونيو 1967، وهذه القوى الناعمة، وبإيمانها وتواصلها مع ثورة المعلومات والاتصال، ومواقع شبكة الإنترنت، واتخاذها من شبكات التواصل الاجتماعي جسراً يلمّ تبعثرها لعبت دوراً أساسياً، وتحديداً في مصر، لاندلاع ثورة 25 يناير 2011، وبالتالي فإن هذه القوى الناعمة هي قوة رهيبة وقوة مؤثرة، استطاعت أن تفعل ما عجز عنه الآخرون عبر الانقلابات والبندقية والدبابة.

نعم هي قوى ناعمة، وكأنعم ما يكون، فليس أجمل من الاستمتاع بقراءة رواية، أو الاسترخاء لمتابعة فيلم سينمائي، أو الاندماج في مسرحية دائرة على خشبة تضج بالحياة، أو قراءة قصيدة تمسّ القلب، أو الوقوف أمام لوحة، أو، أو، أو... لكني أرى أن الثقافة ورغم نعومة ملمس وجهها النضر فإنها سلاح صارخ يهابه الجميع، وهذا يفسر لنا القمع الذي تمارسه الأنظمة الدكتاتورية ضد الكتّاب والفنانين، واستقتالها بوضع الحواجز والسدود أمام انتقال الكتب والأفكار، في زمن الفضاء المفتوح الذي صار يضحك ليل نهار على رقابة بائسة!

الثقافة قوى ولكنها أبداً ليست ناعمة!

 

back to top