كم مرّة دفعنا الملل القاتل أو اليأس الخانق إلى ابتياع غرض لسنا بحاجة إليه، وما لبثنا أن نَدِمنا على شرائه وشعرنا بتأنيب الضمير! الشراء لمجرّد الشراء يستجيب لحاجة داخلية لا تمتّ بأي صلة إلى الحاجات اليومية الأساسية، لكنها تبقى حاجةً!

Ad

عندما نتّخذ التسوّق علاجاً لما ينتابنا من حزن وإحباط، يصبح الشراء بمنزلة عزاء لنا يبثّ في نفوسنا بهجةً عارمةً لدرجة النشوة. نصبح كلما وجدنا أنفسنا غارقين في دوامة من الصعوبات، والصراعات والضغوطات، نتهافت إلى المتاجر كعطشان وجد ماءً يرويه أو جائع رأى طعاماً يسدّ جوعه. فعلاً، إنها ظاهرة غريبة لا بد من التوقف عندها وتحليلها!

لا شك في أن الشراء القهري الاندفاعي المتكرّر يُغرِق ضحيته في صعوبات اجتماعية ونفسية خطيرة، فمتى يصبح التسوّق إدماناً؟

عملية الشراء بحد ذاتها تمنح الإنسان شعوراً جميلاً بالراحة والاكتفاء، لذا نسارع دائماً إلى شراء الأجمل واغتنام الفرصة والاستفادة من التنزيلات. لكن عندما تتحول هذه الهواية إلى إدمان، يصبح الأمر مقلقاً!

إدمان

أمْسى تنوّع السلوكيات الإدمانية مشكلةً صحيةً أساسيةً في طرق الوقاية والعلاج. وقد ظهرت طرق وأساليب عدة ومراكز علاج مندرجة في إطار علم الإدمان على مختلف أنواعه، فنشأ علم جديد هو علم الإدمان يُعنى بمجمل النواحي السريرية، والبيولوجية، والاجتماعية والثقافية، والعلاجية للسلوكيات الإدمانية.

ففي بعض الأحيان مثلاً، يكون الغرض الذي نشتريه عادياً جداً، لكن نحاول أن نقنع أنفسنا بأنها «صفقة جيدة» أو «فرصة يجب عدم تفويتها»، لا سيما خلال التنزيلات والأعياد عندما تكون واجهات المتاجر مُزيّنة بألف لون ولون وتغرينا بعبارة «تنزيلات»!

بالتالي، يتحوّل التسوّق إلى فيروس فتاك يدفعنا إلى صرف المال سواء لشراء الضروريات أو الكماليات! وتتفاقم عوارض هذا الفيروس عند بعض الفتيات والنساء اللواتي لا ينفكّنّ يشترين الأغراض ويخزِّنّها من دون أن يستخدمنها! والأهم في هذه العملية هي تلك اللذة التي تسيطر على كياننا كلما استجبنا لغريزة اسمها «الامتلاك»!

توقفي قليلاً واطرحي على نفسك الأسئلة التالية: هل سبق أن اشتريتِ لمجرّد الشراء؟ هل وقعتِ ضحية الإدمان؟ هل بدأتِ تكذبين بشأن مشترياتك؟ هل يؤنبك ضميرك بعد الشراء؟ هل سبق أن ندمتِ على شراء بعض الأشياء لدرجة أنكِ خبّأتها، أو أعطيتها إلى أحد، أو رميتها حتى؟ هل يصعب عليكِ أن تقولي «لا» للعروضات؟ هل سمعتِ عظةً من المقرّبين إليك بخصوص مشترياتك؟ وهل تشعرين، بينك وبين نفسك، بانزعاج من طريقتك في الاستهلاك؟

إذا شعرتِ أنّ التسوّق بدأ يسبب لك أزمة نفسية، فاعتبري هذا الشعور بمنزلة إنذار حول وجود مشكلة ما...

أسباب الشراء القهري

بينما أجْمَعَ الباحثون على الاضطرابات النفسية التي يولّدها هذا النوع من الإدمان، قارن البعض هذه السلوكيات بأنواع أخرى من الإدمان مثل إدمان القمار أو المخدرات، في حين اعتبرها البعض حالة اضطراب هوسي قهري، وتوصّل باحثون آخرون إلى أنّ هذا الإدمان ناتج من حالة اكتئاب.

علامات

أجمعَ بعض الدراسات على أن نحو 1% من سكان العالم يعانون مشكلة الشراء القهري، وقد بلغت نسبة النساء منهم 80 - 95%. لكن ما المقصود بهذه التبعية؟ ومتى يتخطّى الولع بالتسوّق حدوده المقبولة؟ في الواقع، إنّ خطاً رفيعاً يفصل الولع الطبيعي والولع المرضي، بيد أنّ جرس الإنذار يدقّ في ثلاث حالات. يبدأ خطر الإصابة بهذه المشكلة حين يزداد التفكير بالتسوّق إلى درجة الهوس! عندئذٍ، تصبح المرأة مهووسةً بالشراء إلى حدّ التبعية وفقدان السيطرة على الذات، فتشرع في الشراء لمجرّد الشراء، وسرعان ما تجد نفسها في خضم صراع داخلي: فوَيلها من عذاب الضمير، ووَيلها إذا لم تشبع رغبتها الملحّة في الشراء!

كذلك ثمة نظرية أخرى تعتبر أن السبب الرئيس لهذه المتلازمة هو التمسّك بالقيم المادية، أي القناعة بأن الهدف من الحياة هو اكتساب أكبر عدد ممكن من الماديات، على اعتبار أنها مفتاح السعادة والنجاح. هذا ما أثبتته ثلاث دراسات في بريطانيا، ركّزَت إحداها على المراهقين، الذين تظهر عندهم بوضوح العلاقة بين السعادة والشراء. فتسمعهم مثلاً يردّدون العبارات التالية: «لكنت أسعد لو كان باستطاعتي شراء أشياء أكثر» أو «أود أن أمتلك أشياء تبهر الناس»، وهذه الأفكار مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسلوكيات الشراء القهري. كذلك توصّلت هذه الدراسة إلى استنتاج أعمق هو أن هؤلاء الأشخاص الذين يعتبرون فعلاً أنّ سعادتهم تتوقّف على عملية الشراء وامتلاك الأشياء يعانون مشاكل نفسية.

عواقب سلبية

قد تنجم عن الشراء القهري عواقب وخيمة مثل الغرق في الديون، والقروض، والأكاذيب، والعار، وعذاب الضمير، وخسارة الأصدقاء، والتفكك العائلي، والأرق، والإهمال العائلي. لكنّ فرص الائتمان، للأسف الشديد، تؤجّل أحياناً تفجّر هذه المشكلة، حتى إنها تزيدها سوءاً وتفاقماً. عندئذٍ، نشعر بالعار مما يدفعنا إلى الانغلاق على أنفسنا. عموماً، ترفض ضحية التسوق القهري الإفصاح عن مشكلتها، في حين أن الاعتراف بالشراء على أنه مشكلة نفسية يساعد الضحية، فبخروجها عن صمتها تخرج من دوامة العواقب السلبية.

5 طرق للتخلص من المشكلة

عدم توفّر المال:

قد يشكّل الخروج من المنزل من دون مال أو بقليل منه حلاً أولياً لمشلكة الشراء القهري. وهذا يشمل ترك دفتر الشيكات أو البطاقة المصرفية في المنزل.

تحديد الميزانية:

راقبي جيداً حساباتك وخصصي ميزانية للتسوق واحرصي على عدم تخطيها.

أسئلة مفيدة:

اطرحي على نفسك دائماً الأسئلة التالية: «هل أنا حقاً بحاجة إلى هذا الغرض؟ أهو ضروري لراحتي ورفاهيتي؟ أليس من الأفضل أن أترك هذا المال للإيجار أو لهوايات الأطفال؟»، واحتفظي بدفتر للمشتريات، تدوّنين فيه مصاريفك كافة وتحلّلينها في كلّ مرّة.

الشراء بحكمة:

كلّما رغبتِ في شراء حذاء جديد، فكّري أنه بثمن الأحذية التي تملكين يمكنك الذهاب في عطلة للاسترخاء! وتأكدي دائماً من أنك تستطيعين إعادة الغرض سواء في المحلات أو عبر الإنترنت. فربما أدركتِ عند وصولك إلى المنزل بأنه غير ضروري ويمكنك أن تردّيه وتستغني عنه.

إذا لم تنطبق عليك هذه التقنيات المختلفة، فاعلمي أنه عليك الإسراع في إيجاد حلّ لمشكلتك قبل أن يفوت الأوان وتغرقي في الديون. في هذه الحالة، لعل الحل الأفضل والأنسب هو استشارة اختصاصي في أسرع وقت ممكن!

استشارة الاختصاصي:

إذا كنتِ ضحية هذا الإدمان، يستحسن أن تستشيري اختصاصياً في علم النفس. ويتضمّن العلاج عموماً علاجاً نفسياً إلى جانب أدوية مضادة للكآبة. يفترض بالمريضة أن تحتفظ بدفتر مشتريات تدوّن فيه عدد المشتريات الاندفاعية والرغبة الملحة في امتلاك غرض ما، بالإضافة إلى الأعراض المرافقة للمرحلة القهرية (اكتئاب، توتر، غضب، وحدة، يأس، إلخ.). كذلك يُطلَب من المريضة أن تتذكّر ما الذي دفعها إلى القيام بتلك المشتريات.

العلاج النفسي من مشكلة الشراء القهري هو طريقة سلوكية وإدراكية فاعلة إذا تمّ تطبيقه كما يجب.

أخيراً وليس آخراً، الاعتراف بالتسوق كمشكلة، وبمجرّد إدراكك أنّ الشراء قد تخطى حدوده الطبيعية عندك وأصبح هوساً قهرياً، تكونين قد خطوتِ الخطوة الأولى والأهم على درب الشفاء.