ربما كان واحداً من أسوأ القرارات التي اتخذها مجلس الأمة هو إطالة أمد دور الانعقاد الحالي للمجلس. وهو قد يبدو من حيث الشكل قراراً تنظيمياً، لكنه سيكون عنصراً أساسياً في حالة الاحتقان المستمرة في الحلبة السياسية. فالمجلس كما هو واضح ولأسباب مختلفة منطلق في التصعيد واختيار أسلوب مواجهة غير مفهوم إلا بتفسيره بأنه جزء من حالة التوتر والقلق السائدة في المجتمع عموماً. ولعله كان من الأجدى للمجلس أن يبكر في إجازته بدلاً من أن يطيل انعقاده، خاصة في ظل وجود أغلبية ليست أغلبية، وأقلية ليست أقلية، وحكومة ليست حكومة، فالمصطلحات باتت تستخدم بلا معنى ولا أساس. تبين لنا من خلال رصد جوانب القوة والضعف في النظام الانتخابي لدينا أن إحدى نقاط ضعفه هي تسارع توقيته، كيف؟ حالما تنتهي الانتخابات، بكل ما فيها من معارك، وشد وجذب، وضرب من تحت الحزام وفوقه، بين المرشحين أنفسهم، والحكومة، والتراشق بالألفاظ النابية وغير النابية، وجروح في النفوس، وثارات "بايتة" وطازجة، وبعد كل ذلك الضجيج والضوضاء تبدأ مباشرة عملية تشكيل الحكومة، التي لابد أن تتم خلال أسبوعين، ما يجعلها تتأثر بصورة مباشرة بأجواء الانتخابات المحمومة والمحتقنة. ولو أن التشكيل الوزاري تأخر شهراً مثلاً، وأخذ النواب المنتخبون إجازة قسرية وصمتوا عن التصريحات مدة أسبوعين أو ثلاثة مثلاً، لجاء تشكيل الحكومة في ظل أجواء أكثر استقراراً نفسياً. وهي قضية لطالما ناقشتها وطالبت بدراستها، حيث سيكون لها الأثر الملحوظ على ترشيد العملية السياسية التي تأتي بعد الانتخابات. مجلسنا الحالي من أكثر المجالس قلقاً وتوتراً على كل الصعد، وهو بهذه المواصفات يتجه من حيث بنيته وبالدفع الذاتي إلى الحل، فقد جاء نتاجاً لأزمة سياسية وغاص فيها وعقدها، وبدلاً من أن يركن النواب إلى تهدئة قسرية لالتقاط الأنفاس، وجدناهم يرقصون رقصة النصر حتى حول الهزائم، فعدة الحرب جاهزة على الدوام، حتى لو لم يكن هناك حرب، بل افتعال لحرب وإشعال لغبارها. في هذا الزمن القصير الكل يريد أن يثبت نفسه، والكل يريد أن يضع صورته بأي شكل، تحسباً لاحتمالات الحل، ولذا فإن الصدام هو النتيجة. الحل السريع المؤقت طبعاً، فالحل الأشمل تناولناه في مقالات سابقة، ولكنه الحل الذي قد يوقف اندفاع السيارة المتجهة إلى الهاوية، هو بإعلان تقصير مدة دور الانعقاد الحالي بأسرع وقت ممكن، فيلتقط المجتمع أنفاسه ويجد مساحة للتأمل والتعبد في شهر رمضان الكريم، والدعاء بإخراج البلاد من حالة الاحتقان المزمنة.
Ad